الايمان فهو منافق ومرتدّ أيضا ، منافق لأنه أظهر خلاف ما أضمر ، ومرتد لأنه يعامل في الدنيا معاملة المؤمنين ، وفي الآخرة معاملة الكافرين ، فكأنه مؤمن ومرتد في آن واحد .. ولفظ الآية يتناول الأصناف الثلاثة لأن الدلائل الظاهرة التي قامت على التوحيد والبعث ونبوة محمد (ص) هي الحجة عليهم التي أرادها الله بقوله : (مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَى) ولكن الشيطان أغراهم بالنفاق والارتداد عن الحق ومعاندته ، ووعدهم المواعيد الكاذبة ، ووسوس لهم بتحقيق الأماني والآمال.
(ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قالُوا لِلَّذِينَ كَرِهُوا ما نَزَّلَ اللهُ سَنُطِيعُكُمْ فِي بَعْضِ الْأَمْرِ). ضمير قالوا للمنافقين ، والمراد بالذين كرهوا ما نزل الله اليهود الذين جاوروا الرسول (ص) لأن اليهود أشد الناس كراهية لكل ما أنزل وبخاصة القرآن ، والمعنى ان المنافقين قالوا لليهود : نحن معكم على محمد ونشارككم في عدائه ، ولكن ظروفنا الخاصة لا تسمح لنا بإعلان الكفر به ونصب العداء له ، فدعونا نتظاهر بالإسلام ونطيعكم في الكيد له والتآمر عليه (وَاللهُ يَعْلَمُ إِسْرارَهُمْ) أي إسرار الطرفين اليهود والمنافقين لأنه تعالى لا تخفى عليه خافية في الأرض ولا في السماء.
(فَكَيْفَ إِذا تَوَفَّتْهُمُ الْمَلائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبارَهُمْ). تهربوا من الجهاد خوف القتل فهل يتهربون من الموت وضرباته ، والبعث وأهواله؟. (ذلِكَ بِأَنَّهُمُ اتَّبَعُوا ما أَسْخَطَ اللهَ وَكَرِهُوا رِضْوانَهُ) يعذبهم الله سبحانه عند الموت وبعده أيضا لأنهم آثروا سخطه على رضوانه (فَأَحْبَطَ أَعْمالَهُمْ) فلا تجديهم شيئا (أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَنْ لَنْ يُخْرِجَ اللهُ أَضْغانَهُمْ) أضمر المنافقون الحقد والعداء للنبي (ص) والصحابة ، وأظهروا لهم الحب والولاء ، وظنوا ان الله سبحانه لن يظهر ما تخفي صدورهم وتكن ضمائرهم من الكفر والأحقاد.
(وَلَوْ نَشاءُ لَأَرَيْناكَهُمْ فَلَعَرَفْتَهُمْ بِسِيماهُمْ). قوله تعالى : لأريناكهم أي لعرفناك بهم ، وقوله : فلعرفتهم بسيماهم معناه متى عرفناك نحن بهم عرفتهم أنت بالعلامات الفارقة ، والغرض من هذا التفريع الذي يشبه التكرار هو التأكيد بأن النبي لا يغيب عنه شيء يخبره الله به ، أما غير النبي فيجوز أن يخطئ في فهمه .. ويدل ظاهر الآية على أنها نزلت قبل أن يعرف النبي (ص) المنافقين لأن «لو» للامتناع ، ولكن النبي (ص) قد عرف المنافقين بعد ذلك لقوله تعالى : (وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي