عَلى نَفْسِهِ وَمَنْ أَوْفى بِما عاهَدَ عَلَيْهُ اللهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً). تشير هذه الآية الكريمة الى بيعة الرضوان تحت الشجرة ، وهذه حكايتها :
في سنة ست للهجرة كان المشركون هم المسيطرين على مكة والبيت الحرام ، وفي أواخر هذه السنة خرج رسول الله (ص) من المدينة المنورة مع ألف وأربعمائة من المسلمين قاصدين مكة المكرمة يريدون العمرة ، ولا يفكرون في حرب. ولما بلغوا مكانا يسمى الحديبية علم أبو سفيان بمقدمهم ، فجمع قريشا وقرروا مجمعين أن يمنعوا الرسول ومن معه ويصدوهم عن بيت الله الحرام بقوة السلاح ، وجمعوا الفرسان لذلك ، وجعلوا عليهم خالد بن الوليد ، ثم سعى السفراء بين النبي (ص) وبينهم ، وكان سفراء قريش يطلبون من النبي أن يعود الى المدينة ولا يدخل مكة ، ويجيبهم النبي بأننا لم نأت لقتال أحد ، وقد جئنا زائرين البيت الحرام ، ومن صدنا عنه قاتلناه.
وكان عروة بن مسعود أحد سفراء قريش الى رسول الله (ص) ، وقد رأى الصحابة يتفانون في حب الرسول ، فلا يتوضأ إلا ابتدروا وضوؤه ، ولا يبصق إلا أخذوا بصاقه ، ولا يسقط من شعره شيء إلا تهالكوا عليه ، فعاد وهو في دهشة مما رأى ، وقال : «يا معشر قريش إني قد جئت كسرى في ملكه ، وقيصر في ملكه ، والنجاشي في ملكه ، واني ما رأيت ملكا في قومه قط مثل محمد في أصحابه ، لقد رأيتهم لا يسلمونه لشيء أبدا ، فروا رأيكم».
وأرسل رسول الله (ص) لقريش عثمان بن عفان لأنه قريب أبي سفيان ، وقال له : أخبرهم انّا لم نأت لقتال ، وإنما جئنا زوارا لهذا البيت معظمين لحرمته ، ومعنا الهدي ننحره وننصرف .. ولما بلّغهم عثمان قالوا : لا كان هذا أبدا. وانقطعت أخبار عثمان ، وشاع انه قد قتل ، وحين بلغت هذه الشائعة مسامع النبي (ص) قال : لا نبرح حتى نناجز القوم ، ودعا الى مبايعته ، وكان جالسا تحت شجرة هناك ، فأسرع أصحابه يبايعونه على الطاعة والموت في سبيل الله.
وقد وصف سبحانه هذه البيعة بأنها بيعته بالذات ، وانه قد أخذها بيده ، وان من نقضها ونكث بها فقد خان الله وتعرض لغضبه وسطوته ، وان من وفى بها ولم ينقض الميثاق فإن له عند ربه لزلفى وحسن مآب ، وذلك حيث يقول