أراد النبي (ص) الخروج إلى مكة عام الحديبية استنفر المسلمين وحثهم على السفر معه ، فامتنع قوم من الأعراب المنتشرين حول المدينة وآخرون من المنافقين ، امتنعوا وأبوا الخروج مع رسول الله (ص) ظنا منهم ان قريشا لن تدع محمدا يدخل مكة أو تهلك ، وقال بعضهم لبعض : ما لنا وللتعرض لهذه الأخطار؟. وبعد أن تم الصلح على ما ذكرنا قال سبحانه لنبيه الكريم : إذا رجعت يا محمد إلى المدينة اعتذر الذين تخلفوا عنك بأن تدبير أهلهم وأموالهم هو الذي منعهم من صحبتك ، ويطلبون منك كذبا ونفاقا أن تصفح عنهم ، وتطلب من الله أن يرضى عنهم ويعفو عما سلف ، وقد كذبهم سبحانه بقوله : (يَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِهِمْ ما لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ) كما هو شأن المنافقين في كل زمان ومكان.
(قُلْ فَمَنْ يَمْلِكُ لَكُمْ مِنَ اللهِ شَيْئاً إِنْ أَرادَ بِكُمْ ضَرًّا أَوْ أَرادَ بِكُمْ نَفْعاً). أتكذبون على الله وهو يعلم سركم وجهركم ، وبيده خيركم وشركم ، ومن الذي يرد أمره عنكم خيرا كان أم شرا؟ (بَلْ كانَ اللهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيراً) وأيضا يخبر به نبيه الكريم ويقول له : انكم تظهرون غير ما تضمرون (بَلْ ظَنَنْتُمْ أَنْ لَنْ يَنْقَلِبَ الرَّسُولُ وَالْمُؤْمِنُونَ إِلى أَهْلِيهِمْ أَبَداً وَزُيِّنَ ذلِكَ فِي قُلُوبِكُمْ). تخلفتم عن النبي ظنا منكم بأن الله لن ينصر النبي والذين آمنوا معه وان الغلبة ستكون لأعداء الله على أوليائه (وَظَنَنْتُمْ ظَنَّ السَّوْءِ). ظننتم ان المسلمين ذاهبون إلى الموت لا محالة ، ولا سند لهذا الظن إلا وسوسة الشيطان بأن الله لن يعز دينه وينصر نبيه ، ولا يلطف بمن آمن به وأخلص له (وَكُنْتُمْ قَوْماً بُوراً) أي هلكى ، وكل من أسلم زمامه للشيطان قاده إلى الهلاك.
(وَمَنْ لَمْ يُؤْمِنْ بِاللهِ وَرَسُولِهِ فَإِنَّا أَعْتَدْنا لِلْكافِرِينَ سَعِيراً) خالدين فيها لا يجدون وليا ولا نصيرا (وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) ولا مالك غيره ، ولا حول ولا قوة إلا به ، فمن أخلص له واتكل عليه فهو كافيه ، ومن التجأ إلى غيره أو كله اليه (يَغْفِرُ لِمَنْ يَشاءُ) ممن يستحق المغفرة لأن الله حكيم ويستحيل أن يغفر لمن يسفك الدماء ظلما ، ويهدم المدارس على الأطفال الصغار ، ويسلب الجائعين أقواتهم (وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ) ممن يستحق العذاب ، وما ربك بظلام للعبيد (وَكانَ اللهُ غَفُوراً رَحِيماً) بمن يرحم نفسه وغيره ، وإلا فمن لا يرحم لا يرحم (وَما لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصارٍ).