المعنى :
(سَيَقُولُ الْمُخَلَّفُونَ إِذَا انْطَلَقْتُمْ إِلى مَغانِمَ لِتَأْخُذُوها ذَرُونا نَتَّبِعْكُمْ). هؤلاء المخلفون هم الذين أبوا الخروج مع النبي (ص) حين توجه الى مكة في أواخر سنة ست للهجرة ، وهم الذين عناهم الله بقوله في الآية السابقة. (سَيَقُولُ لَكَ الْمُخَلَّفُونَ مِنَ الْأَعْرابِ شَغَلَتْنا أَمْوالُنا) الخ ... لقد رغب النبي اليهم في المسير معه ، فخافوا من قريش وقالوا : أموالنا وأهلنا ، وبعد أن رجع النبي من الحديبية مكث في المدينة الى أوائل سنة سبع ، ثم خرج غازيا الى خيبر ، وكان فيها مغانم كثيرة ، تحركت لها شهوة المخلفين ، فقالوا للنبي والمؤمنين : خذونا معكم الى تلك المكاسب والمغانم! ... عرضوا أنفسهم هنا للخروج ، وبالأمس دعوا اليه فتذرعوا بمشاغل الأهل والأموال خوفا من الجهاد والقتال ... وهذا منطق من أسرته المطامع ولا يتحرك إلا بوحي منها.
(يُرِيدُونَ أَنْ يُبَدِّلُوا كَلامَ اللهِ). ضمير يريدون ويبدلوا يعود الى المخلفين ، والمراد بكلام الله هنا وعده تعالى بحرمان المخلفين من المغانم التي أشار اليها سبحانه بقوله : (إِذَا انْطَلَقْتُمْ إِلى مَغانِمَ لِتَأْخُذُوها). ولكن الله ، جلت حكمته ، لم يبين لنا ما هي هذه المغانم؟ هل هي مغانم خيبر أو غيرها؟. ومع هذا قال المفسرون : ان الله سبحانه وعد أهل بيعة الرضوان بالحديبية ، وعدهم أن تكون مغانم خيبر مختصة بهم دون غيرهم. وقال الرازي : هذا هو الأشهر عند المفسرين ، وقال المراغي : «وفيه أخبار صحيحة» ... وليس هذا ببعيد لأن غزوة خيبر كانت الأولى بعد صلح الحديبية.
ومهما يكن فإن الله سبحانه أمر نبيه الكريم أن يقول للمخلفين : (لَنْ تَتَّبِعُونا) إلى أخذ المغانم لأنكم رفضتم اتباعنا إلى مكة خوفا من القتل (كَذلِكُمْ قالَ اللهُ مِنْ قَبْلُ) فهو الذي أخبرنا بأنه لا نصيب لكم في المغانم (فَسَيَقُولُونَ بَلْ تَحْسُدُونَنا) كلا ... ان الله لم يحرمنا من الغنائم ، ولكن أنتم الذين حرمتمونا حسدا لنا وبغيا علينا (بَلْ كانُوا لا يَفْقَهُونَ إِلَّا قَلِيلاً). هذا رد منه تعالى على قولهم : (تَحْسُدُونَنا) ومعناه كلا ، ليس الأمر كما زعمتم ، وإنما هو جهلكم ومعصيتكم لأكثر أحكام الله.