والمعنى ان الله وعدكم مغانم تقدرون الآن على أخذها ، وأيضا وعدكم مغانم أخرى تعجزون الآن عن أخذها ، ولكن الله تعالى قد حفظها لكم ، ولا بد أن تأخذوها في المستقبل القريب أو البعيد (وَكانَ اللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيراً) فلا يعجز أن يهبكم من الغنائم فوق ما تتصورون وأكثر مما تأملون (وَلَوْ قاتَلَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوَلَّوُا الْأَدْبارَ ثُمَّ لا يَجِدُونَ وَلِيًّا وَلا نَصِيراً). كأنّ سائلا يسأل : من أين وكيف يغنم المسلمون أموال الكافرين ، هم أقوياء في عدتهم وعددهم ، ويستميتون في الدفاع عن أنفسهم؟ فأجاب سبحانه بأن الله مع المؤمنين ينصرهم ويدافع عنهم ، والله غالب على أمره. أما الكافرون فلا ملجأ لهم إلا السيف أو الفرار.
(سُنَّةَ اللهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلُ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللهِ تَبْدِيلاً). من سنن الله تعالى فيمن مضى من أنبيائه الى خاتمهم محمد (ص) أن تكون لهم الغلبة على أعدائهم. وإذا سأل سائل ان هذا لا يتفق مع الآيات التي نصت بوضوح على أن اليهود كانوا يقتلون الأنبياء بغير حق ـ أحلناه الى الجواب المفصل في ج ٥ ص ٣٣١ وما بعدها.
(وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُمْ بِبَطْنِ مَكَّةَ مِنْ بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُمْ عَلَيْهِمْ وَكانَ اللهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيراً). ضمير هو يعود اليه تعالى ، وضمير أيديهم الى مشركي قريش. وقيل : ان المراد ببطن مكة الحديبية لأنها قريبة من مكة ، وقال آخرون : ان المراد داخل مكة .. وهذا هو المعنى المتبادر الى الافهام من كلمة «بطن» وعليه يكون المعنى انكم أيها المسلمون دخلتم مكة من كل أقطارها ظافرين منتصرين ، وخضعت لكم من غير حرب ، وهي عاصمة الشرك ومعقل المشركين ... وهذا من فضل الله ونعمه الكبرى عليكم ، لأنه هو الذي منعهم من قتالكم بإلقاء الرعب في قلوبهم ، ومنعكم من قتالهم بالنهي عنه. وتجدر الاشارة الى أن صلح الحديبية كان في سنة ست ، وعمرة القضاء في سنة سبع ، وفتح مكة في سنة ثمان.