المعنى :
(هُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَالْهَدْيَ مَعْكُوفاً أَنْ يَبْلُغَ مَحِلَّهُ). قلنا عند تفسير الآية ١٠ من هذه السورة : ان المشركين منعوا الرسول (ص) والصحابة من زيارة المسجد الحرام سنة ست للهجرة ، وكان معهم سبعون ناقة ـ على ما قيل ـ ساقوها للنحر بمكة وهي التي عناها سبحانه بقوله : (وَالْهَدْيَ مَعْكُوفاً أَنْ يَبْلُغَ مَحِلَّهُ) ومعكوفا أي محبوسا للنحر ، ومحله أي محل نحره وهو مكة. وأيضا قلنا عند تفسير الآية ٢٤ : ان المسلمين فتحوا مكة من غير قتال سنة ثمان ، لأن الله ألقى الرعب من المسلمين في قلوب المشركين ... والآية التي نحن بصددها تشير الى هذا المعنى وتؤكد ان أهل مكة لم يسكتوا ويكفوا عن قتال النبي والصحابة حين دخلوا مكة ـ إلا خوفا من المسلمين ، والدليل على ذلك ـ كما صرحت الآية ـ ان هؤلاء المكيين هم الكافرون الذين منعوا المسلمين من زيارة المسجد الحرام ومن وصول الهدي الى مكة لينحر فيها. ويأكل منه البائس الفقير.
ثم أشار سبحانه الى بعض فوائد السلم والكف عن القتال في فتح مكة ، بقوله : ١ ـ (وَلَوْ لا رِجالٌ مُؤْمِنُونَ وَنِساءٌ مُؤْمِناتٌ لَمْ تَعْلَمُوهُمْ أَنْ تَطَؤُهُمْ فَتُصِيبَكُمْ مِنْهُمْ مَعَرَّةٌ بِغَيْرِ عِلْمٍ). حين دخل النبي (ص) مكة فاتحا كان فيها جماعة من المسلمين نساء ورجالا ولكنهم كانوا غير معروفين ولا متميزين عن المشركين لأنهم كتموا ايمانهم خوفا من أعداء الإسلام ، ولو دارت رحى الحرب لأصاب ضررها المسلم والكافر ... فربما قتل المسلم أخاه المسلم الذي يكتم إيمانه ، وهو يظن انه يقتل كافرا ، وفي ذلك ما فيه من المشقة على المسلمين بما يلزمهم من الكفارة ودية قتل الخطأ ، بالاضافة الى ان أعداء الدين يتخذون منه وسيلة للطعن والتشهير بأن المسلمين يقتل بعضهم بعضا.
٢ ـ (لِيُدْخِلَ اللهُ فِي رَحْمَتِهِ مَنْ يَشاءُ). المراد بالرحمة هنا الإسلام ، والمعنى ان الله سبحانه كف الأيدي عن القتال في فتح مكة لأنه يعلم ان بعض أهلها المشركين سيهتدون ويسلمون ، وهذا ما حدث بالفعل (لَوْ تَزَيَّلُوا لَعَذَّبْنَا الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذاباً أَلِيماً). أي لو تميز كل فريق عن الآخر ، وعرف المسلم من الكافر لأذن الله للمسلمين بقتال الكافرين ، وأنزل بهم أشد العذاب.