فصل : تضمر أن بعد الفاء في جواب الأشياء الثمانية الأمر والنّهي والاستفهام والنّفي والتمنّي والدّعاء والعرض والتحضيض.
وقال الجرمي : تعمل الفاء بنفسها وقال الكوفيون ينتصب الفعل على الخلاف.
وحجّة الأولين : أنّ الفاء لا تنفكّ من معنى العطف والربط ولا تختصّ بل تدخل على الكلمات الثلاث وما هذا سبيله لا يعمل فعند ذلك يحتاج الى إضمار لاستحالة العطف هنا على اللفظ ألا ترى أنّ قولك : زرني لا يصحّ أن تعطف عليه فأزورك ؛ لأن العطف يشرك بين الشيئين ومعلوم أنّ الأمر لا يشارك الخبر وأنّ الأول سبب للثاني والسبب والمسبّب مختلفان فعند ذلك يعدل إلى العطف على المعنى ولا يتحقق ذلك إلا بإضمار أن وأن يقدّر الأوّل بمصدر فالتقدير لتكن منك زيارة فزيارة منّي وبذلك يتبين ضعف قول الجرمي ، وأمّا مذهب الكوفيّين فقد أبطلناه في غير موضع.
فصل : وتضمر أن بعد اللّام وقال الكوفيون هي العاملة بنفسها.
حجّة الأوّلين : أنّ اللام حرف جرّ داخلة للتّعليل وهي الّتي تدخل على المفعول له وحرف الجرّ لا يعمل في الفعل فتضمر أن ليصير الفعل معها في تقدير الاسم فتدخل اللام عليه ؛ ولذلك يجوز أن تظهر أن معها كقولك : جئت ؛ لأن تكرمني.
واحتجّ الآخرون من وجهين :
أحدهما : أنّها بمعنى كي وكي تعمل بنفسها فكذلك ما هو في معناها.
والثاني : أنّ جعلها جارّة يفسد من جهة دخولها على الفعل وتقدير أن لا يصحح ذلك ، ألا ترى أنه لا يجوز أن تقول أمرتك تكرم زيدا تريد بأن تكرم زيدا فيتعيّن أن تكون هي الناصبة.
والجواب عن الأول من وجهين :
أحدهما : أنّ كي حرف جرّ أيضا وأن بعدها مضمرة فلا فرق بينهما.
والثاني : يسلم إلى أنّ كي تنصب بنفسها ولكن لم تكون اللام كذلك واتفاقهما في المعنى يوجب اتحادهما في العمل ألا ترى أنّ أنّ الناصبة للاسم مثل أن الناصبة للفعل المستقبل في المعنى إذ كلّ واحدة منهما مصدريّة يعمل فيها ما قبلها ولم يلزم من ذلك اتحادهما فإنّ تلك