فالنّصب فيه هو الوجه والجزم خطأ ؛ لأن المعنى يصير لا تنه عن قبيح ولا تفعل قبيحا وترك النّهي عن القبيح قبيح وإنّما أراد الشاعر أنّ من ينهي غيره عن شيء وهو يرتكبه فقد غشّ نفسه ونصح غيره والرفع في البيت جائز في المعنى واللفظ.
مسألة : تقول لا يسعني شيء ويعجز عنك فتنصب ما بعد الواو ب (أن مضمرة).
والمعنى لا يجتمع في شيء واحد أن يسعني وأن يضيق عنك أي أنا وأنت مشتركان فيما يحسن ويقبح ويضيق ويتسع فكيف نفترق في ذلك ولو رفعت لصار المعنى نفيا وآل المعنى إلى أنّه لا يسعني شيء ولا يضيق عنك وهذا عكس المعنى.
مسألة : إذا عطفت الفعل على مصدر أضمرت معه أن ونصبته ليصير عطف اسم على اسم وبقّيت النصب ليدلّ على العامل المراد ومنه (١) : [الوافر]
ولبس عباءة وتقرّ عيني |
|
أحبّ إليّ من لبس الشّفوف |
مسألة : والواو الّتي تضمر بعدها أن بمعنى الجمع يقال هي بمعنى الجواب ؛ لأن المعنى إذا أكلت السّمك فلا تشرب اللّبن وإن شربت اللّبن فلا تأكل السمك وإن وسعني وسعك.
__________________
(١) البيت من شعر ميسون بنت بحدل : وهي ميسون بنت بحدل بن أنيف بن قتافة بن عدي بن حارثة بن جناب.
شاعرة إسلامية تزوجها معاوية بن أبي سفيان ومن قبله تزوجت من زامل بن عبد الأعلى فقتله أخ له كان قد خطبها ثم تزوجها معاوية فولدت له يزيد ، وطلقها وهي حامل به.
ومطلع قصيدة هذا البيت :
لبيت تخفق الأرواح فيه |
|
أحبّ إليّ من قصر منيف |
ومنها أيضا :
وأصوات الرياح بكل فجّ |
|
أحبّ إلي من نقر الدّفوف |
وكلب ينبج الطرّاق عنّي |
|
أحبّ إليّ من قطّ ألوف |
وبكر يتبع الأظعان صعب |
|
أحبّ إلى من بغل زفوف |
وأكل كسيرة في كسر بيتي |
|
أحبّ إليّ من أكل الرّغيف |
وخرق من بني عمي نحيف |
|
أحبّ إليّ من علج عليف |
خشونة عيشتي في البدو أشهى |
|
إلى نفسي من العيش الظّريف |