فغشاه بها من قرنه الى قدمه وهو نائم ، وغطاه بالحكمة غطاء ، فاستيقظ وهو أحكم الناس في زمانه ، وخرج على الناس ينطق بالحكمة ويبثها فيها (١) قال : فلما اوتى الحكم بالخلافة ولم يقبلها أمر الله عزوجل الملائكة فنادت داود عليهالسلام بالخلافة فقبلها ولم يشترط فيها بشرط لقمان ، فأعطاه الله عزوجل الخلافة في الأرض وابتلى بها غير مرة كل ذلك يهوى في الخطاء ، يقيله الله تعالى ويغفر له ، وكان لقمان يكثر زيارة داود عليهالسلام ويعظه بمواعظه وحكمته وفضل علمه ، وكان داود عليهالسلام يقول له : طوبى لك يا لقمان أوتيت الحكمة وصرفت عنك البلية ، وأعطى داود عليهالسلام الخلافة وابتلى بالحكم والفتنة.
ثم قال أبو عبد الله عليهالسلام في قول الله عزوجل : (وَإِذْ قالَ لُقْمانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ بِاللهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ) قال : فوعظ لقمان ابنه بآثار حتى تفطر وانشق (٢) وكان فيما وعظه به يا حماد أن قال : يا بنى انك منذ سقطت الى الدنيا استدبرتها واستقبلت الاخرة فدار أنت إليها تسير أقرب إليك من دار أنت عنها متباعد. يا بنى جالس العلماء وزاحمهم بركبتيك ، ولا تجادلهم فيمنعوك ، وخذ من الدنيا بلاغا ولا ترفضها فتكون عيالا على الناس ، ولا تدخل فيها دخولا يضر بآخرتك ، وصم صوما يقطع شهوتك ولا تصم صياما يمنعك من الصلوة. فان الصلوة أحب الى الله من الصيام ، يا بنى ان الدنيا بحر عميق قد هلك فيها عالم كثير ، فاجعل سفينتك فيها الايمان ، واجعل شراعها التوكل ، واجعل زادك فيها تقوى الله ، فان نجوت فبرحمة الله وان هلكت فبذنوبك ، يا بنى ان تأدبت صغيرا انتفعت به كثيرا ، ومن عنى بالأدب اهتم به ومن اهتم به تكلف علمه ، ومن تكلف علمه اشتد له طلبه ، ومن اشتد طلبه أدرك منفعته ، فاتخذه عادة فانك تخلف في سلفك ، وينتفع به من خلفك ، ويرتجيك فيه راغب ويخشى صولتك راهب ، وإياك والكسل عنه بالطلب لغيره ، فان غلبت على الدنيا فلا تغلبين على الاخرة ، وإذا فاتك طلب العلم في مظانه فقد غلبت على الاخرة ، واجعل في
__________________
(١) وفي البحار «ويبنيها فيها» وفسرّه المجلسي (ره) بقوله اى في جماعة الناس أو في الدنيا.
(٢) كناية عن غاية تأثير الحكمة فيه.