٧٨ ـ وفيه وقال أمير المؤمنين عليهالسلام في وصية لابنه محمد بن الحنفية : يا بنى إياك والاتكال على الأماني فانها بضائع النوكي وتثبط عن الاخرة (١) يا بنى لا شرف أعلى من الإسلام ، ولا كرم أعز من التقوى ، ولا معقل أحرز من الورع ، ولا شفيع أنجح من التوبة ، ولا لباس أجمل من العافية ، ولا وقاية أمنع من السلامة ، ولا كنز أغنى من القنوع ، ولا مال أذهب للفاقة من الرضا بالقوت ، ومن اقتصر على بلغة الكفاف فقد انتظم الراحة ، وتبوأ خفض الدعة (٢) يا بنى الرزق رزقان : رزق تطلبه ورزق يطلبك ، فان لم تأته أتاك ، فلا تحمل هم سنتك عليهم يومك كفاك كل يوم ما هو فيه ، فان تكن السنة من عمرك فان الله عزوجل سيأتيك في كل غد بجديد ما قسم لك ، وان لم تكن السنة من عمرك فما تصنع بغم وهم ما ليس لك ، واعلم انه لن يسبقك الى رزقك طالب ، ولن يغلبك عليه غالب ، ولن يحتجب عنك ما قدر لك ، فكم رأيت من طالب متعب نفسه مقتر عليه رزقه (٣) ومقتصد في الطلب قد ساعدته المقادير ، وكل مقرون به الفناء اليوم لك وأنت من بلوغ غد على غير يقين ، ولرب مستقبل يوما ليس بمستدبره ومغبوط في أول ليلة قام في آخرها بواكيه. فلا يغرنكم من الله طول حلول النعم وإبطاء موارد النقم ، فانه لو خشي الفوت عاجل بالعقوبة قبل الموت ، يا بنى اقبل من الحكماء مواعظهم وتدبر أحكامهم ، واعلم ان رأس العقل بعد الايمان بالله عزوجل مداراة الناس ، ولا خير فيمن لا يعاشر بالمعروف من لا بد من معاشرته حتى يجعل الله الى الخلاص منه سبيلا ، فانى وجدت جميع ما يتعايش به الناس وبه يتعاشرون (٤) ملء مكيال ، ثلثاه استحسان وثلثه تغافل ، اعلم يا بنى انه لا بد لك من حسن الارتياد وبلاغك من الزاد مع خفة الظهر ، فلا تحمل على ظهرك فوق طاقتك فيكون
__________________
(١) الأنكال : الاعتماد والأماني جمع الامنية : التمني ، والنوكي بالفتح جمع الأنوك وهو الأحمق ، والتثبيط : التعويق عن الاخرة قال الفيض (ره) في الوافي اى عن عملها وفي بعض النسخ تقنط عن الاخرة والاول أظهر.
(٢) خفض الدعة : سعة العيش.
(٣) قتر على عياله : ضيق عليهم في النفقة.
(٤) الارتياد بمعنى الطلب.