دخل الأرض والظلمات وحتى نظر النجوم ومجاريها؟ قلت : فكيف وقع هذا العلم الذي زعمت أن الحكماء من الناس وضعوه ، وان الناس كلهم مولدون به؟ وكيف عرفوا ذلك الحساب وهو أقدم منهم؟ قال : ما أجده يستقيم أن أقول ان أحدا من الناس يعلم علم هذه النجوم المعلقة في السماء بتعليم أحد من الناس ، قلت : لا بد لك ان تقول : انما علمه حكيم عليم بأمر السماء والأرض ومدبرها قال : ان قلت هذا فقد أقررت بإلهك الذي تزعم ، غير أنى أعلم أنه لا بد لهذا الحساب من معلم وان قلت : ان أحدا من أهل الأرض علم ذلك من غير معلم من أهل الأرض لقد أبطلت ، الا أن علم الأرض لا يكون عندنا الا بالحواس ولا يقع علم الحواس في علم النجوم وهي معلقة تغيب مرة وتطلع أخرى ، تجري تحت الأرض كما تجري في السماء وما زادت الحواس على أكثر من النظر إلى طالعها إذا طلع وإلى غائبها إذا غاب : فأما حسابها ودقايقها وسعودها ونحوسها وسريعها وبطيئها فلا يقدر عليه الحواس ، قلت : فأخبرنى لو كنت متعلما مستوصفا لهذا الحساب من أهل الأرض أحب إليك أن تستوصفه وتتعلمه أم من أهل السماء ، قال : من أهل السماء إذا كانت النجوم معلقة فيها ، حيث لا يعلمها أهل الأرض قلت : فافهم ألطف النظر ولا يغلبنك الهوى أليس تعلم أنه إذا كان أهل الدنيا يولدون بهذه النجوم ، ان النجوم قبل الناس ، فاذا أقررت بذلك انكسر عليك أن تعلم علمها من عالم منهم إذا كان العالم وهم انما ولدوا بها بعدها ، وانها قبلهم خلقت؟ قال : بلى ، قلت : وكذلك الأرض كانت قبلهم أيضا؟ قال : نعم ، قلت : لأنه لو لم يكن الأرض خلقت لما استقام ان يكون الناس ولا غيرهم من الخلق عليها الا ان يكون لها أجنحة ، إذ لم يكن لها مستقر تأوى اليه ولا ملسعة ترجع إليها ، وكذلك الفلك قبل النجوم والشمس والقمر لأنه لولا الفلك لم تدر البروج ولم تستقل مرة وتهبط أخرى.
قال : نعم هو كما قلت فقد أقررت بان خالق النجوم التي يتولد الناس بها هو خالق السماء والأرض ، لأنه لو لم يكن سماء ولا ارض لم يكن دوران الفلك ، إذ ليس (١) ينبغي لك ان يدلك عقلك على أن الذي خلق السماء هو الذي خلق الأرض والفلك والدوران
__________________
(١) كذا في النسخ ولعله سقط من الموضع شيء وكأن الصحيح «قلت : أفليس ينبغي لك ... اه».