هل يستقيم أن يكون يعلم الناس (١) هذا من بعض الناس إذا كان الناس يولدون بهذه النجوم ، وان قلت : إن الحكماء من الناس هم الذين وضعوا هذا الحساب وعلم مجاري هذه النجوم وعرفت نحوسها من سعودها ودنوها من بعدها وبطيئها من سريعها ومواقعها من السماء ومواضعها من تحت الأرض ، فان منها ستة طالعة في السماء وستة باطنة تحت الأرض ، وكذلك النجوم السبعة تجري على حساب تلك النجوم ، وما يقبل القلب ولا يدل العقل ان مخلوقا من الأرض قدر على الشمس حتى يعلم في أى البروج هي ، واى بروج القمر واى بروج هذه النحوس والسعود ، ومتى الطالع ومتى الباطن ، وهي معلقة في السماء وهي تحت الأرض ، ولا يراها إذا توارت بضوء الشمس إلا ان يزعم أن هذا الحكيم رقى إلى السماء حتى علم هذا.
ثم قلت : وهبه رقى إلى السماء هل له بد من أن يخرج (٢) مع كل برج من البروج ونجم من هذه النجوم من حيث يغرب إلى حيث يطلع ثم يعود إلى الاخر يفعل ذلك كلها ، ومنها ما يقطع السماء في ثلاثين سنة ومنها ما يقطعها في أقل من ذلك ، وهل كان له بد أن يجول في أقطارها حتى يعرف مطالع السعود والنحوس منها وتيقنه ، وهبه قدر على ذلك حتى فرغ منه كيف كان يستقيم له ما في السماء حتى يحكم حساب ما في الأرض وتيقنه ويعرفه ويعاينه كما قد عاينه في السماء ، فقد علمت أن مجاريها تحت الأرض على حساب مجاريها في السماء وأنه لا يعرف حسابها ودقايقها الا بمعرفة ما غاب منها ، لأنه ينبغي أن يعرف أى ساعة من الليل يطلع طالعها ، وأى ساعة من الليل يغيب غائبها ، وأنه لا يصلح للمتعلم ان يكون واحدا حتى يصح الحساب وكيف يمكنه ذلك وهي تحت الأرض وهو على ظهرها ، لا يرى ما تحتها الا أن يزعم أن ذلك الحكيم دخل في ظلمات الأرضين والبحر فسار مع النجوم والشمس والقمر في مجاريها على حساب ما سار في السماء ، حتى عاين ما تحت الأرض منها كما عاين منها ما في السماء.
قال : وهل قلت لك : ان أحدا رقى إلى السماء وقدر على ذلك حتى أقول أنه
__________________
(١) وفي البحار «وهل يستقيم ان يكون لبعض الناس إذا كان ... اه».
(٢) وفي البحار «يجرى» بدل «يخرج».