موقعه ، أي تصرفون إليهم مودتكم بغير تأمل. قال تعالى : (فَأَلْقَوْا إِلَيْهِمُ الْقَوْلَ إِنَّكُمْ لَكاذِبُونَ) في سورة النحل [٨٦].
والباء في (بِالْمَوَدَّةِ) لتأكيد اتصال الفعل بمفعوله. وأصل الكلام : تلقون إليهم المودة ، كقوله تعالى : (وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ) [البقرة : ١٩٥] وقوله : (وَامْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ) [المائدة : ٦] وذلك تصوير لقوة مودتهم لهم.
وزيد في تصوير هذه الحالة بجملة الحال التي بعدها وهي (وَقَدْ كَفَرُوا بِما جاءَكُمْ مِنَ الْحَقِ) وهي حال من ضمير (إِلَيْهِمْ) أو من (عَدُوِّي).
«وما جاءكم من الحق» هو القرآن والدين فذكر بطريق الموصولية ليشمل كل ما أتاهم به الرسول صلىاللهعليهوسلم على وجه الإيجاز مع ما في الصلة من الإيذان بتشنيع كفرهم بأنه كفر بما ليس من شأنه أن يكفر به طلاب الهدي فإن الحق محبوب مرغوب.
وتعدية جاء إلى ضمير المخاطبين وهم الذين آمنوا لأنهم الذين انتفعوا بذلك الحق وتقبلوه فكأنه جاء إليهم لا إلى غيرهم وإلّا فإنه جاء لدعوة الذين آمنوا والمشركين فقبله الذين آمنوا ونبذه المشركون.
وفيه إيماء إلى أن كفر الكافرين به ناشئ عن حسدهم الذين آمنوا قبلهم.
وفي ذلك أيضا إلهاب لقلوب المؤمنين ليحذروا من موالاة المشركين.
وجملة (يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ) حال من ضمير (كَفَرُوا) ، أي لم يكتفوا بكفرهم بما جاء من الحق فتلبسوا معه بإخراج الرسول صلىاللهعليهوسلم ، وإخراجكم من بلدكم لأن تؤمنوا بالله ربكم ، أي هو اعتداء حملهم عليه أنكم آمنتم بالله ربكم. وأن ذلك لا عذر لهم فيه لأن إيمانكم لا يضيرهم. ولذلك أجري على اسم الجلالة وصف ربّكم على حدّ قوله تعالى : (قُلْ يا أَيُّهَا الْكافِرُونَ لا أَعْبُدُ ما تَعْبُدُونَ وَلا أَنْتُمْ عابِدُونَ ما أَعْبُدُ) [الكافرون : ١ ـ ٣] ثم قال : (لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ) [الكافرون : ٦].
وحكيت هذه الحالة بصيغة المضارع لتصوير الحالة لأن الجملة لما وقعت حالا من ضمير (وَقَدْ كَفَرُوا) كان إخراج الرسول صلىاللهعليهوسلم والمؤمنين في تلك الحالة عملا فظيعا ، فأريد استحضار صورة ذلك الإخراج العظيم فظاعة اعتلالهم له.
والإخراج أريد به : الحمل على الخروج بإتيان أسباب الخروج من تضييق على