فإن قولهم ذلك استخفاف يدل لذلك قوله عقبه (قالَ رَبِّ إِنِّي لا أَمْلِكُ إِلَّا نَفْسِي وَأَخِي فَافْرُقْ بَيْنَنا وَبَيْنَ الْقَوْمِ الْفاسِقِينَ) [المائدة : ٢٥].
وقد يكون وصفهم في هذه الآية بقوله : (وَاللهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفاسِقِينَ) ناظرا إلى وصفهم بذلك مرتين في آية سورة العقود في قوله : (فَافْرُقْ بَيْنَنا وَبَيْنَ الْقَوْمِ الْفاسِقِينَ) [المائدة : ٢٥] وقوله : (فَلا تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْفاسِقِينَ) [المائدة : ٢٦].
فيكون المقصود الأهم من القصة هو ما تفرع على ذكرها من قوله : (فَلَمَّا زاغُوا أَزاغَ اللهُ قُلُوبَهُمْ). ويناسب أن تكون هذه الآية تحذيرا من مخالفة أمر الرسولصلىاللهعليهوسلم وعبرة بما عرض لهم من الهزيمة يوم أحد لما خالفوا أمره من عدم ثبات الرماة في مكانهم.
وقد تشابهت القصتان في أن القوم فرّوا يوم أحد كما فرّ قوم موسى يوم أريحا ، وفي أن الرماة الذين أمرهم رسول الله صلىاللهعليهوسلم أن لا يبرحوا مكانهم «ولو تخطّفنا الطير» وأن ينضحوا عن الجيش بالنبال خشية أن يأتيه العدوّ من خلفه لم يفعلوا ما أمرهم به وعصوا أمر أميرهم عبد الله بن جبير وفارقوا موقفهم طلبا للغنيمة فكان ذلك سبب هزيمة المسلمين يوم أحد.
والواو على هذا الوجه عطف تحذير مأخوذ من قوله : (فَلَمَّا زاغُوا أَزاغَ اللهُ قُلُوبَهُمْ) على النهي الذي في قوله : (لِمَ تَقُولُونَ ما لا تَفْعَلُونَ) [الصف : ٢] الآية.
ويتبع ذلك تسلية الرسول صلىاللهعليهوسلم على ما حصل من مخالفة الرماة حتى تسببوا في هزيمة الناس.
و (إِذْ) متعلقة بفعل محذوف تقديره : اذكر ، وله نظائر كثيرة في القرآن ، أي اذكر لهم أيضا وقت قوله موسى لقومه أو اذكر لهم مع هذا النهي وقت موسى لقومه.
وابتداء كلام موسى عليهالسلام ب (يا قَوْمِ) تعريض بأن شأن قوم الرسول أن يطيعوه بله أن لا يؤذوه. ففي النداء بوصف (قَوْمِ) تمهيد للإنكار في قوله : (لِمَ تُؤْذُونَنِي).
والاستفهام للإنكار ، أي إنكار أن يكون للإذاية سبب كما تقدم في قوله تعالى : (لِم تَقُولُونَ ما لا تَفْعَلُونَ).
وقد جاءت جملة الحال من قوله : (وَقَدْ تَعْلَمُونَ أَنِّي رَسُولُ اللهِ) مصادفة المحلّ من الترقّي في الإنكار.