متتابعين». قالت : إنه شيخ كبير ما به من صيام. قال : «فليطعم ستين مسكينا». قالت : ما عنده شيء يتصدق به. فأتي ساعتئذ بعرق من تمر قلت : يا رسول الله فإني أعينه بعرق آخر. قال : «قد أحسنت اذهبي فأطعمي بهما عنه ستّين مسكينا وارجعي إلى ابن عمّك». قال أبو داود في هذا : إنها كفرت عنه من غير أن تستأمره.
والمراد «بما قالوا» ما قالوا بلفظ الظهار وهو ما حرموه على أنفسهم من الاستمتاع المفاد من لفظ : أنت عليّ كظهر أمي ، لأن : أنت عليّ. في معنى : قربانك ونحوه عليّ كمثله من ظهر أمي. ومنه قوله تعالى : (وَنَرِثُهُ ما يَقُولُ) [مريم : ٨٠] ، أي مالا وولدا في قوله تعالى : (وَقالَ لَأُوتَيَنَّ مالاً وَوَلَداً) [مريم : ٧٧] ، وقوله : (قُلْ قَدْ جاءَكُمْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِي بِالْبَيِّناتِ وَبِالَّذِي قُلْتُمْ) [آل عمران : ١٨٣] أي قولكم حتى يأتينا بقربان تأكله النار. ففعل القول في هذا وأمثاله ناصب لمفرد لوقوعه في خلاف جملة مقولة ، وإيثار التعبير عن المعنى الذي وقع التحريم له. فلفظ الظهار بالموصول وصلته هذه إيجاز وتنزيه للكلام عن التصريح به. فالمعنى : ثم يرومون أن يرجعوا للاستمتاع بأزواجهم بعد أن حرموه على أنفسهم.
وفهم من قوله : (ثُمَّ يَعُودُونَ لِما قالُوا) أن من لم يرد العود إلى امرأته لا يخلو حاله: فإما أن يريد طلاقها فله أن يوقع عليها طلاقا آخر لأن الله أبطل أن يكون الظهار طلاقا ، وإما أن لا يريد طلاقا ولا عودا. فهذا قد صار ممتنعا من معاشرة زوجه مضرّا بها فله حكم الإيلاء الذي في قوله تعالى : (لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ) [البقرة: ٢٢٦] الآية. وقد كانوا يجعلون الظهار إيلاء كما في قصة سلمة بن صخر البياضي. ثم الزرقي في كتاب أبي داود قال : «كنت امرأ أصيب من النساء ما لا يصيب غيري فلما دخل شهر رمضان خفت أن أصيب من امرأتي شيئا يتايع بي (بتحتية في أوله مضمومة ثم مثناة فوقية ثم ألف ثم تحتية ، والظاهر أنها مكسورة. والتتايع الوقوع في الشر فالباء في قوله : (بي) زائدة للتأكيد) حتى أصبح ، فظاهرت منها حتى ينسلخ شهر رمضان». الحديث.
واللام في قوله : (لِما قالُوا) بمعنى (إلى) كقوله تعالى : (بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحى لَها) [الزلزلة : ٥] ونظيره قوله : (وَلَوْ رُدُّوا لَعادُوا لِما نُهُوا عَنْهُ) [الأنعام : ٢٨]. وأحسب أن أصل اللام هو التعليل ، وهو أنها في مثل هذه المواضع إن كان الفعل الذي تعلقت به ليس فيه معنى المجيء حملت اللام فيه على معنى التعليل وهو الأصل نحو : (بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحى لَها) [الزلزلة : ٥] ، وما يقع فيه حرف (إلى) من ذلك مجاز بتنزيل من يفعل الفعل لأجله