منزلة من يجيء الجائي إليه ، وإن كان الفعل الذي تعلقت به اللام فيه معنى المجيء مثل فعل العود فإن تعلق اللام به يشير إلى إرادة معنى في ذلك الفعل بتمجّز أو تضمين يناسبه حرف التعليل نحو قوله تعالى : (كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى) [الرعد : ٢] ، أي جريه المستمر لقصده أجلا يبلغه. ومنه قوله تعالى : (وَلَوْ رُدُّوا لَعادُوا لِما نُهُوا عَنْهُ) [الأنعام : ٢٨] أي عاودوا فعله ومنه ما في هذه الآية.
وفي «الكشاف» في قوله تعالى : (كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى) في سورة الزمر [٥] أنه ليس مثل قوله تعالى : (كُلٌّ يَجْرِي إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى) في سورة لقمان [٢٩] أي أنه ليس من تعاقب الحرفين ولا يسلك هذه الطريقة إلا ضيّق العطن ، ولكن المعنيين أعني الاستعلاء والتخصيص كلاهما ملائم لصحة الغرض لأن قوله : (إِلى أَجَلٍ) معناه يبلغه ، وقوله : (لِأَجَلٍ) يريد لإدراك أجل تجعل الجري مختصا بالإدراك ا ه.
فيكون التقدير على هذا الوجه ثم يريدون العود لأجل ما قالوا ، أي لأجل رغبتهم في أزواجهم ، فيصير متعلّق فعل (يَعُودُونَ) مقدّرا يدل عليه الكلام ، أي يعودون لما تركوه من العصمة ، ويصير الفعل في معنى : يندمون على الفراق.
وتحصل من هذا أن كفارة الظهار شرعت إذا قصد المظاهر الاستمرار على معاشرة زوجه ، تحلة لما قصده من التحريم ، وتأديبا له على هذا القصد الفاسد والقول الشنيع.
وبهذا يكون محمل قوله : (مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا) على أنه من قبل أن يمسّ زوجه مسّ استمتاع قبل أن يكفر وهو كناية عن الجماع في اصطلاح القرآن ، كما قال : (وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَ) [البقرة : ٢٣٧].
ولذلك جعلت الكفارة عتق رقبة لأنه يفتدي بتلك الرقبة رقبة زوجه.
وقد جعلها الله تعالى موعظة بقوله : (ذلِكُمْ تُوعَظُونَ بِهِ). واسم الإشارة في قوله: (ذلِكُمْ) عائد إلى تحرير رقبة. والوعظ : التذكير بالخير والتحذير من الشر بترغيب أو ترهيب ، أي فرض الكفارة تنبيه لكم لتتفادوا مسيس المرأة التي طلقت أو تستمروا على مفارقتها مع الرغبة في العود إلى معاشرتها لئلا تعودوا إلى الظهار. ولم يسم الله ذلك كفارة هنا وسمّاها النبي صلىاللهعليهوسلم كفارة كما في حديث سلمة بن صخر البياضي في «جامع الترمذي» وإنما الكفارة من نوع العقوبة في أحد قولين عن مالك وهو قول الشافعي حكاه عنه ابن العربي في «الأحكام».