وقد أجمل مقدار الطعام في الآية اكتفاء بتسميته إطعاما فيحمل على ما يقصده الناس من الطعام وهو الشبع الواحد كما هو المتعارف في فعل طعم. فحمله علماؤنا على ما به شبع الجائع فيقدر في كل قوم بحسب ما به شبع معتاد الجائعين. وعن مالك رحمهالله في ذلك روايتان ، إحداهما : أنه مدّ واحد لكل مسكين بمدّ النبي صلىاللهعليهوسلم والثانية : أنه مدّان أو ما يقرب من المدّين وهو مدّ بمدّ هشام (بن إسماعيل المخزومي أمير المدينة) وقدره مدّان إلا ثلث مدّ قال : قال أشهب : قلت لمالك : أيختلف الشبع عندنا وعندكم؟ قال : نعم الشبع عندنا مدّ بمدّ النبي صلىاللهعليهوسلم والشبع عندكم أكثر (أي لأن النبي صلىاللهعليهوسلم دعا لأهل المدينة بالبركة). وقوله هذا يقتضي أن يكون الإطعام في المدينة مدّا بمدّ النبي صلىاللهعليهوسلم مثل كفارة الفطر في رمضان فكيف جعله مالك مقدرا بمدّين أو بمدّ وثلثين ، وقال : لو أطعم مدّا ونصف مدّ أجزأه. فتعين أن تضعيف المقدار في الإطعام مراعى فيه معنى العقوبة على ما صنع ، وإلا فلا دليل عليه من نص ولا قياس. قال أبو الحسن القابسي : إنما أخذ أهل المدينة بمدّ هشام في كفارة الظهار تغليظا على المتظاهرين الذين شهد الله عليهم أنهم يقولون منكرا من القول وزورا فهذا مما ثبت بعمل أهل المدينة.
وقدّر أبو حنيفة الشبع بمدّين بمدّ النبي صلىاللهعليهوسلم فلعله راعى الشبع في معظم الأقطار غير المدينة ، وقدّره الشافعي بمدّ واحد لكل مسكين قياسا على ما ثبت في السنة في كفارة الإفطار وكفارة اليمين.
ولم يذكر مع الإطعام قيد (مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا) اكتفاء بذكره مع تحرير الرقبة وصيام الشهرين ولأنه بدل عن الصيام ومجزّأ لمثل أيام الصيام. هذا قول جمهور الفقهاء.
وعن أبي حنيفة أن الإطعام لا يشترط فيه وقوعه من قبل أن يتماسّا.
ثم إن وقع المسيس قبل الكفارة أو قبل إتمامها لم يترتب على ذلك إلا أنه آثم إذ لا يمكن أن يترتب عليه أثر آخر ، وهذا ما بيّنه حديث سلمة بن صخر الذي شكا إلى النبيصلىاللهعليهوسلم أنه وقع على امرأته بعد أن ظاهر منها ، فأمره بأن لا يعود إلى مثل ذلك حتى يكفّر. وهذا قول جمهور الفقهاء ، وقال مجاهد : عليه كفّارتان.
وصريح الآية أن تتابع الصيام شرط في التكفير ، وعليه فلو أفطر في خلاله دون عذر وجب عليه إعادته.
ولا يمسّ امرأته حتى يتم الشهران متتابعين فإن مسها في خلال الشهرين أثم ووجب