والنتيجة الحاصلة من هذا الشرط تحصّل أنهم مثل جميع الناس في الحياتين الدنيا والآخرة وآثارهما ، واختلاف أحوال أهلهما ، فيعلم من ذلك أنهم ليسوا أفضل من الناس. وهذا ما دل عليه قوله تعالى : (وَقالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصارى نَحْنُ أَبْناءُ اللهِ وَأَحِبَّاؤُهُ قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُمْ بِذُنُوبِكُمْ بَلْ أَنْتُمْ بَشَرٌ مِمَّنْ خَلَقَ) [المائدة : ١٨].
وبهذا يندفع ما قد يعرض للناظر في هذه الآية من المعارضة بينها وبين ما جاء في الأخبار الصحيحة من النهي عن تمني الموت. وما روي أن النبي صلىاللهعليهوسلم قال : «من أحبّ لقاء الله أحب الله لقاءه ومن كره لقاء الله كره الله لقاءه» ، فقالت عائشة : «إنا نكره الموت فقال لها ليس ذلك» الحديث. وما روي عنه أنه قال : «أرسل ملك الموت إلى موسى فلما جاءه صكه فرجع إلى ربه فقال أرسلتني إلى عبد لا يريد الموت» إلى قوله : «قال موسى فالآن».
ذلك أن شأن المؤمنين أن يكونوا بين الرجاء والخوف من الله ، وليسوا يتوهمون أن الفوز مضمون لهم كما توهم اليهود.
فما تضمنته هذه الآية حكاية عن حال اليهود الموجودين يومئذ ، وهم عامة غلبت عليهم الأوهام والغرور بعد انقراض علمائهم ، فهو حكاية عن مجموع قوم ، وأما الأخبار التي أوردناها فوصف لأحوال معيّنة وأشخاص معينين فلا تعارض مع اختلاف الأحوال والأزمان ، فلو حصل لأحد يقين بالتعجيل إلى النعيم لتمنى الموت إلا أن تكون حياته لتأييد الدين كحياة الأنبياء.
فعلى الأول يحمل حال عمير بن الحمام في قوله :
جريا إلى الله بغير زاد
وحال جعفر بن أبي طالب يوم موتة وقد اقتحم صفّ المشركين:
يا حبّذا الجنة واقترابها
وقول عبد الله بن رواحة :
لكنني أسأل الرحمن مغفرة |
|
وضربة ذات فرغ تقذف الزبدا |
المتقدمة في سورة البقرة لأن الشهادة مضمونة الجزاء الأحسن والمغفرة التامة.
وعلى الثاني يحمل قول النبي صلىاللهعليهوسلم لعائشة في تأويل قوله : «من أحب لقاء الله أحب