منهم الجمعة إقبالا على عير تجارة وردت كما سيأتي في قوله تعالى : (وَإِذا رَأَوْا تِجارَةً أَوْ لَهْواً انْفَضُّوا إِلَيْها) [الجمعة : ١١].
ومثل البيع كل ما يشغل عن السعي إلى الجمعة ، وبعد كون البيع وما قيس عليه منهيا عنه فقد اختلف في فسخ العقود التي انعقدت وقت الجمعة. وهو مبني على الخلاف في اقتضاء النهي فساد المنهي عنه ، ومذهب مالك أن النهي يقتضي الفساد إلا لدليل. وقول مالك في «المدونة» : إن البيع الواقع في وقت صلاة الجمعة بين من تجب عليهم الجمعة يفسخ. وقال الشافعي : لا يفسخ. وجعله كالصلاة في الأرض المغصوبة وهو قول أبي حنيفة أيضا.
وأما النكاح المعقود في وقت الجمعة : ففي «العتيبة» عن ابن القاسم : لا يفسخ. ولعله اقتصر على ما ورد النهي عنه في القرآن ولم ير القياس موجبا لفسخ المقيس. وكذلك قال أئمة المالكية : لا تفسخ الشركة والهبة والصدقة الواقعة في وقت الجمعة وعللوا ذلك بندرة وقوع أمثالها بخلاف البيع.
وخطاب الآية جميع المؤمنين فدل على أن الجمعة واجبة على الأعيان. وشذ قوم قالوا : إنها واجبة على الكفاية قال ابن الفرس : ونسب إلى بعض الشافعية وخطاب القرآن الذين آمنوا عام خصصته السنة بعدم وجوب الجمعة على النساء والعبيد والمسافر إذا حل بقرية الجمعة ومن لا يستطيع السعي إليها.
و (مِنْ) في قوله : (مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ) تبعيضية فإن يوم الجمعة زمان تقع فيه أعمال منها الصلاة المعهودة فيه ، فنزّل ما يقع في الزمان بمنزلة أجزاء الشيء.
ويجوز كون (مِنْ) للظرفية مثل التي في قوله تعالى : (أَرُونِي ما ذا خَلَقُوا مِنَ الْأَرْضِ) [فاطر : ٤٠] ، أي فيها من المخلوقات الأرضية.
والإشارة ب (ذلِكُمْ) إلى المذكور ، أي ما ذكر من أمر بالسعي إليها ، وأمر بترك البيع حينئذ ، أي ذلك خير لكم مما يحصل لكم من البيوعات. فلفظ (خَيْرٌ) اسم تفضيل أصله : أخير ، حذفت همزته لكثرة الاستعمال. والمفضل عليه محذوف لدلالة الكلام عليه. والمفضل : الصلاة ، أي ثوابها. والمفضل عليه : منافع البيع للبائع والمشتري.
وإنما أعقب بقوله تعالى : (فَإِذا قُضِيَتِ الصَّلاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ