وعن مجاهد ومقاتل : «كان النبي صلىاللهعليهوسلم يخطب فقدم دحية بن خليفة الكلبي بتجارة فتلقاه أهله بالدفوف فخرج الناس». وفي رواية «أن أهل المدينة أصابهم جوع وغلاء شديد فقدم دحية بتجارة من زيت الشام». وفي رواية «وطعام وغير ذلك فخرج الناس من المسجد خشية أن يسبقوا إلى ذلك». وقال جابر بن عبد الله «كانت الجواري إذا نكحن يمرّرن بالمزامير والطّبل فانفضّوا إليها» ، فلذلك قال الله تعالى : (وَإِذا رَأَوْا تِجارَةً أَوْ لَهْواً انْفَضُّوا إِلَيْها وَتَرَكُوكَ قائِماً) ، فقد قيل إن ذلك تكرر منهم ثلاث مرات ، فلا شك أن خروجهم كان تارة لأجل مجيء العير وتارة لحضور اللهو.
وروي أن العير نزلت بموضع يقال له : أحجار الزيت فتوهم الراوي فقال : بتجارة الزيت.
وضمير (إِلَيْها) عائد إلى التجارة لأنها أهم عندهم من اللهو ولأن الحدث الذي نزلت الآية عنده هو مجيء عير دحية من الشام. واكتفى به عن ضمير اللهو كما في قول قيس بن الخطيم ، أو عمرو بن الحارث بن امرئ القيس :
نحن بما عندنا وأنت بما |
|
عندك راض والرأي مختلف |
ولعل التقسيم الذي أفادته (أَوْ) في قوله : (أَوْ لَهْواً) تقسيم لأحوال المنفضّين إذ يكون بعضهم من ذوي العائلات خرجوا ليمتاروا لأهلهم ، وبعضهم من الشباب لا همة لهم في الميرة ولكن أحبوا حضور اللهو.
و (إِذا) ظرف للزمان الماضي مجرد عن معنى الشرط لأن هذا الانفضاض مضى. وليس المراد أنهم سيعودون إليه بعد ما نزل هذا التوبيخ وما قبله من الأمر والتحريض. ومثله قوله تعالى : (وَإِذا جاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذاعُوا بِهِ) [النساء : ٨٣] وقوله : (وَلا عَلَى الَّذِينَ إِذا ما أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لا أَجِدُ ما أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ تَوَلَّوْا) [التوبة : ٩٢] الآية.
والانفضاض : مطاوع فضّه إذا فرقه ، وغلب إطلاقه على غير معنى المطاوعة ، أي بمعنى مطلق كما تفرق. قال تعالى : (هُمُ الَّذِينَ يَقُولُونَ لا تُنْفِقُوا عَلى مَنْ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ حَتَّى يَنْفَضُّوا) [المنافقون : ٧].
وقوله : (أَوْ لَهْواً) فيه للتقسيم ، أي منهم من انفضّ لأجل التجارة ، ومنهم من انفضّ لأجل اللهو ، وتأنيث الضمير في قوله : (إِلَيْها) تغليب للفظ (تجارة) لأن التجارة