وكانت غزوة تبوك في آخر سني النبوءة وقد ضعف أمر المنافقين.
وسبب نزولها «ما روي عن زيد بن أرقم أنه قال : كنا في غزاة فكسع (١) رجل من المهاجرين رجلا جهنيّا حليفا للأنصار فقال الجهني : يا للأنصار ، وقال المهاجري : يا للمهاجرين : فسمع ذلك رسول الله صلىاللهعليهوسلم فقال : ما بال دعوى الجاهلية ، قالوا : كسع رجل من المهاجرين رجلا من الأنصار فقال : «دعوها فإنها منتنة» (أي اتركوا دعوة الجاهلية : يا آل كذا) فسمع هذا الخبر عبد الله بن أبيّ فقال : أقد فعلوها أما والله لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعزّ منها الأذلّ». وقال : لا تنفقوا على من عند رسول الله حتى ينفضوا من حوله ، قال زيد بن أرقم : فسمعت ذلك فأخبرت به عمي فذكره للنبي صلىاللهعليهوسلم فدعاني فحدثته فأرسل رسول الله إلى عبد الله بن أبيّ وأصحابه فحلفوا ما قالوا ، فكذّبني رسول الله وصدّقه فأصابني همّ لم يصبني مثله فقال عمّي : ما أردت إلا أن كذبك رسول الله ، وفي رواية : إلى أن كذّبك ، فلما أصبحنا قرأ رسول الله سورة المنافقين وقال لي : «إن الله قد صدقك».
وفي رواية للترمذي في هذا الحديث : «أن المهاجريّ أعرابيّ وأن الأنصاريّ من أصحاب عبد الله بن أبيّ ، وأن المهاجري ضرب الأنصاري على رأسه بخشبة فشجّه ، وأن عبد الله بن أبيّ قال : لا تنفقوا على من عند رسول الله حتى ينفضوا من حوله» يعني الأعراب ، وذكر أهل السير أن المهاجريّ من غفار اسمه جهجاه أجير لعمر بن الخطاب. وأن الأنصاريّ جهني اسمه سنان حليف لابن أبيّ ، ثم يحتمل أن تكون الحادثة واحدة. واضطراب الراوي عن زيد بن أرقم في صفتها ؛ ويجوز أن يكون قد حصل حادثتان في غزاة واحدة.
وذكر الواحدي في «أسباب النزول» : أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم أرسل إلى عبد الله بن أبيّ وقال له : أنت صاحب هذا الكلام الذي بلغني ، فقال عبد الله بن أبيّ : والذي أنزل عليك الكتاب ما قلت شيئا من هذا وإن زيدا لكاذب.
والظاهر أن المقالة الأولى قالها ابن أبيّ في سورة غضب تهييجا لقومه ثم خشي انكشاف نفاقه فأنكرها.
وأما المقالة الثانية فإنما أدرجها زيد بن أرقم في حديثه وإنما قالها ابن أبيّ في سورة
__________________
(١) كسع ضربه على دبره ، وكان ذلك لخصومة في حوض ماء شربت منه ناقة الأنصاري.