فالشغل بهذين أكثر من الشغل بغيرهما.
وصيغ الكلام في قالب توجيه النهي عن الإلهاء عن الذكر ، إلى الأموال والأولاد والمراد نهي أصحابها ، وهو استعمال معروف وقرينته هنا قوله : (وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ فَأُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ). وأصله مجاز عقلي مبالغة في نهي أصحابها عن الاشتغال بسببها عن ذكر الله ، فنزّل سبب الإلهاء منزلة اللّاهي للملابسة بينهما وهو كثير في القرآن وغيره كقوله : (يا بَنِي آدَمَ لا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطانُ) [الأعراف : ٢٧] وقولهم لا أعرفنك تفعل كذا.
و (لا) في قوله : (وَلا أَوْلادُكُمْ) نافية عاطفة (أَوْلادُكُمْ) على (أَمْوالُكُمْ) ، والمعطوف عليه مدخول (لا) الناهية لأن النهي يتضمن النفي إذ هو طلب عدم الفعل ف (لا) الناهية أصلها (لا) النافية أشربت معنى النهي عند قصد النهي فجزمت الفعل حملا على مضادة معنى لام الأمر فأكد النهي عن الاشتغال بالأولاد بحرف النفي ليكون للاشتغال بالأولاد حظ مثل حظ الأموال.
و (ذِكْرِ اللهِ) مستعمل في معنييه الحقيقي والمجازي. فيشمل الذكر باللسان كالصلاة وتلاوة القرآن ، والتذكر بالعقل كالتدبر في صفاته واستحضار امتثاله قال عمر بن الخطاب : «أفضل من ذكر الله باللسان ذكر الله عند أمره ونهيه».
وفيه أن الاشتغال بالأموال والأولاد الذي لا يلهي عن ذكر الله ليس بمذموم وله مراتب.
وقوله : (وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ فَأُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ) ، دليل على قول علماء أصول الفقه «النهي اقتضاء كفّ عن فعل».
والإشارة ب (ذلِكَ) إلى اللهو عن ذكر الله بسبب الأموال والأولاد ، أي ومن يله عن ذكر الله ، أي يترك ذكر الله الذي أوجبه مثل الصلاة في الوقت ويترك تذكر الله ، أي مراعاة أوامره ونواهيه.
ومتى كان اللهو عن ذكر الله بالاشتغال بغير الأموال وغير الأولاد كان أولى بحكم النهي والوعيد عليه.
وأفاد ضمير الفصل في قوله : (فَأُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ) قصر صفة الخاسر على الذين يفعلون الذي نهوا عنه ، وهو قصر ادعائي للمبالغة في اتصافهم بالخسران كأن خسران غيرهم لا يعد خسرانا بالنسبة إلى خسرانهم.