اعتراض بين جملة (ثُمَّ لَتُنَبَّؤُنَّ بِما عَمِلْتُمْ) [التغابن : ٧] بمتعلقها وبين جملة (وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللهِ وَيَعْمَلْ صالِحاً يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئاتِهِ) اعتراضا يفيد تهويل هذا اليوم تعريضا بوعيد المشركين بالخسارة في ذلك اليوم : أي بسوء المنقلب.
والإتيان باسم الإشارة في مقام الضمير لقصد الاهتمام بهذا اليوم بتمييزه أكمل تمييز مع ما يفيده اسم إشارة البعيد من علوّ المرتبة على نحو ما تقدم في قوله : (ذلِكَ الْكِتابُ) في سورة البقرة.
و (التَّغابُنِ) : مصدر غابنه من باب المفاعلة الدالة على حصول الفعل من جانبين أو أكثر.
وحقيقة صيغة المفاعلة أن تدل على حصول الفعل الواحد من فاعلين فأكثر على وجه المشاركة في ذلك الفعل.
والغبن أن يعطى البائع ثمنا لمبيعه دون حقّ قيمته التي يعوّض بها مثله.
فالغبن يؤول إلى خسارة البائع في بيعه ، فلذلك يطلق الغبن على مطلق الخسران مجازا مرسلا كما في قول الأعشى :
لا يقبل الرشوة في حكمه |
|
ولا يبالي غبن الخاسر |
فليست مادة التغابن في قوله : (يَوْمُ التَّغابُنِ) مستعملة في حقيقتها إذ لا تعارض حتى يكون فيه غبن بل هو مستعمل في معنى الخسران على وجه المجاز المرسل.
وأما صيغة التفاعل فحملها جمهور المفسرين على حقيقتها من حصول الفعل من جانبين ففسروها بأن أهل الجنة غبنوا أهل النار إذ أهل الجنة أخذوا الجنة وأهل جهنم أخذوا جهنم قاله مجاهد وقتادة والحسن. فحمل القرطبي وغيره كلام هؤلاء الأئمة على أن التغابن تمثيل لحال الفريقين بحال متبايعين أخذ أحدهما الثمن الوافي ، وأخذ الآخر الثمن المغبون ، يعني وقوله عقبه (وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللهِ وَيَعْمَلْ صالِحاً يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئاتِهِ) ، إلى قوله : (وَبِئْسَ الْمَصِيرُ) قرينة على المراد من الجانبين وعلى كلا المعنيين يكون قوله : (وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللهِ وَيَعْمَلْ صالِحاً) إلى قوله : (وَبِئْسَ الْمَصِيرُ) تفصيلا للفريقين ، فيكون في الآية مجاز وتشبيه وتمثيل ، فالمجاز في مادة الغبن ، والتمثيل في صيغة التغابن ، وهو تشبيه مركب بمنزلة التشبيه البليغ إذ التقدير : ذلك يوم مثل التغابن.
وحمل قليل من المفسرين (وهو ما فسر إليه كلام الراغب في مفرداته) وصرح ابن