في معاملة الأولاد والأزواج ومصارف في الأموال فلا يصدّكم حب ذلك والشغل به عن الواجبات ، ولا يخرجكم الغضب ونحوه عن حدّ العدل المأمور به ، ولا حبّ المال عن أداء حقوق الأموال وعن طلبها من وجوه الحلال. فالأمر بالتقوى شامل للتحذير المتقدم وللترغيب في العفو كما تقدم ولما عدا ذلك.
والخطاب للمؤمنين.
وحذف متعلق (اتقوا) لقصد تعميم ما يتعلق بالتقوى من جميع الأحوال المذكورة وغيرها وبذلك يكون هذا الكلام كالتذييل لأن مضمونه أعم من مضمون ما قبله.
ولما كانت التقوى في شأن المذكورات وغيرها قد يعرض لصاحبها التقصير في إقامتها حرصا على إرضاء شهوة النفس في كثير من أحوال تلك الأشياء زيد تأكيد الأمر بالتقوى بقوله : (مَا اسْتَطَعْتُمْ).
و (مَا) مصدرية ظرفية ، أي مدة استطاعتكم ليعم الأزمان كلها ويعم الأحوال تبعا لعموم الأزمان ويعم الاستطاعات ، فلا يتخلوا عن التقوى في شيء من الأزمان. وجعلت الأزمان ظرفا للاستطاعة لئلا يقصروا بالتفريط في شيء يستطيعونه فيما أمروا بالتقوى في شأنه ما لم يخرج عن حدّ الاستطاعة إلى حدّ المشقة قال تعالى : (يُرِيدُ اللهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ) [البقرة : ١٨٥].
فليس في قوله : (مَا اسْتَطَعْتُمْ) تخفيف ولا تشديد ولكنه عدل وإنصاف. ففيه ما عليهم وفيه ما لهم.
روى البخاري عن جابر بن عبد الله قال : «بايعت رسول الله صلىاللهعليهوسلم على السمع والطاعة فلقّنني : «فيما استطعت» ، وعن ابن عمر : كنّا إذا بايعنا النبي صلىاللهعليهوسلم على السمع والطاعة يقول لنا «فيما استطعت».
وعطف (وَاسْمَعُوا وَأَطِيعُوا) على (اتقوا الله) من عطف الخاص على العام للاهتمام به ، ولأن التقوى تتبادر في ترك المنهيات فإنها مشتقة من وقى. فتقوى الله أن يقي المرء نفسه مما نهاه الله عنه ، ولما كان ترك المأمورات فيؤول إلى إتيان المنهيات ، لأن ترك الأمر منهي عنه إذ الأمر بالشيء نهي عن ضده. كان التصريح به بخصوصه اهتماما بكلا الأمرين لتحصل حقيقة التقوى الشرعية وهي اجتناب المنهيات وامتثال المأمورات.