قال ابن العربي في «أحكام القرآن» عند قوله تعالى : (لا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْواهُمْ) الآية [١١٤] في سورة النساء : إن الله تعالى أمر عباده بأمرين عظيمين : أحدهما : الإخلاص وهو أن يستوي ظاهر المرء وباطنه ، والثاني : النصيحة لكتاب الله ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم ، فالنجوى خلاف هذين الأصلين وبعد هذا فلم يكن بد للخلق من أمر يختصون به في أنفسهم ويخص به بعضهم بعضا فرخص في ذلك بصفة الأمر بالمعروف والصدقة وإصلاح ذات البين اه.
وفي «الموطأ» حديث أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال : «إذا كان ثلاثة فلا يتناجى اثنان دون واحد». زاد في رواية مسلم «إلا بإذنه فإن ذلك يحزنه».
واختلف في محمل هذا النهي على التحريم أو على الكراهة ، وجمهور المالكية على أنه للتحريم ، قال ابن العربي في «القبس» : فإن كان قوله مخافة أن يحزنه من قول النبيصلىاللهعليهوسلم فقد انحسم التأويل ، وإن كان من قول الراوي فهو أولى من تأويل غيره. وقال ابن القاسم : سمعت مالكا يقول : لا يتناجى أربعة دون واحد. وأما تناجي الجماعة دون جماعة فإنه أيضا مكروه أو محرم اه. وحكى النّووي الإجماع على جواز تناجي جماعة دون جماعة واحتج له ابن التّين بحديث ابن مسعود قال : فأتيته (يعني النبي صلىاللهعليهوسلم) وهو في ملأ فساررته. وحديث عائشة في قصة فاطمة دالّ على الجواز.
وقال ابن عبد البر : لا يجوز لأحد أن يدخل على المتناجيين في حال تناجيهما.
وألحق بالتناجي أن يتكلم رجلان بلغة لا يعرفها ثالث معهما.
والقول في استعمال (ثُمَّ يَعُودُونَ لِما نُهُوا عَنْهُ) في معناه المجازي وتعديته باللام نظير القول في قوله تعالى : (ثُمَّ يَعُودُونَ لِما قالُوا) [المجادلة : ٣].
وكذلك القول في موقع (ثُمَ) عاطفة الجملة.
وصيغة المضارع في (يَعُودُونَ) دالة على التجدد ، أي يكررون العدد بحيث يريدون بذلك العصيان وقلة الاكتراث بالنهي فإنهم لو عادوا إلى النجوى مرة أو مرتين لاحتمل حالهم أنهم نسوا.
و (لِما نُهُوا عَنْهُ) هو النجوى ، فعدل عن الإتيان بضمير النجوى إلى الموصول وصلته لما تؤذن به الصلة من التعليل لما بعدها من الوعيد بقوله : (حَسْبُهُمْ جَهَنَّمُ) على ما في الصلة من التسجيل على سفههم.