وثانيها : أن الحكم في عموم (وَأُولاتُ الْأَحْمالِ) علق بمدلول صلة الموصول وهي مشتق ، وتعليق الحكم بالمشتق يؤذن بتعليل ما اشتق منه بخلاف العموم الذي في سورة البقرة ، فما كان عمومه معلّلا بالوصف أرجح في العمل مما عمومه غير معلل.
وثالثها : قضاء رسول الله صلىاللهعليهوسلم في عدّة سبيعة الأسلمية.
وذهب الحنفية إلى أن عموم (وَأُولاتُ الْأَحْمالِ) ناسخ لعموم قوله : (وَيَذَرُونَ أَزْواجاً) [البقرة : ٢٣٤] في مقدار ما تعارضا فيه.
ومآل الرأيين واحد هو أن عدة الحامل وضع حملها سواء كانت معتدة من طلاق أم من وفاة زوجها.
والصحيح أن آية البقرة لم يرتفع حكمها وشذ القائلون بأن المتوفّى عنها إن لم تكن حاملا ووضعت حملها يجب عليها عدة أربعة أشهر وعشر.
وقال قليل من أهل العلم بالجمع بين الآيتين بما يحقق العمل بهما معا فأوجبوا على الحامل المتوفّى عنها زوجها الاعتداد بالأقصى من الأجلين أجل الأربعة الأشهر والعشر. وأجل وضع الحمل ، وهو قول علي بن أبي طالب وابن عباس. وقصدهم من ذلك الاحتياط لأنه قد تأتّى لهم هنا إذ كان التعارض في مقدار زمنين فأمكن العمل بأوسعهما الذي يتحقق فيه الآخر وزيادة فيصير معنى هذه الآية (وَأُولاتُ الْأَحْمالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَ) ما لم تكن عدة وفاة ويكون معنى آية سورة البقرة وأزواج المتوفّين يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشرا ما لم تكنّ حوامل فيزدن تربّصا إلى وضع الحمل. ولا يجوز تخصيص عموم (وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْواجاً يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْراً) [البقرة : ٢٣٤] بما في آية (وَأُولاتُ الْأَحْمالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَ) من خصوص بالنظر إلى الحوامل المتوفّى عنهن ، إذ لا يجوز أن تنتهي عدة الحامل المتوفّى عنها التي مضت عليها أربعة أشهر وعشر قبل وضع حملها من عدة زوجها ، وهي في حالة حمل لأن ذلك مقرر بطلانه من عدة أدلة في الشريعة لا خلاف فيها وإلى هذا ذهب ابن أبي ليلى.
وفي «صحيح البخاري» «عن محمد بن سيرين قال : كنت في حلقة فيها عظم من الأنصار (أي بالكوفة) وفيهم عبد الرحمن بن أبي ليلى وكان أصحابه يعظمونه فذكر آخر الأجلين ، فحدثت حديث عبد الله بن عتبة في شأن سبيعة بنت الحارث فقال عبد الرحمن.