وليس المراد من هذه الآية ما ورد في حديث : أن اليهود كانوا إذا حيّوا النبيصلىاللهعليهوسلم قالوا : السّامّ عليك ، وأن النبي صلىاللهعليهوسلم كان يرد عليهم بقوله : «وعليكم». فإن ذلك وارد في قوم معروف أنهم من اليهود. وما ذكر أول هذه الآية لا يليق حمله على أحوال اليهود كما علمت آنفا ولو حمل ضمير (جاؤُكَ) على اليهود لزم عليه تشتيت الضمائر.
أما هذه الآية ففي أحوال المنافقين ، وهذا مثل ما كان بعضهم يقول للنبيصلىاللهعليهوسلم : (راعِنا) [البقرة : ١٠٤] تعلّموها من اليهود وهم يريدون التوجيه بالرعونة فأنزل الله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقُولُوا راعِنا وَقُولُوا انْظُرْنا وَاسْمَعُوا وَلِلْكافِرِينَ عَذابٌ أَلِيمٌ) [البقرة : ١٠٤] ولم يرد منه نهي اليهود.
ومعنى (يَقُولُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ) يقول بعضهم لبعض على نحو قوله تعالى : (فَإِذا دَخَلْتُمْ بُيُوتاً فَسَلِّمُوا عَلى أَنْفُسِكُمْ) [النور : ٦١]. وقوله : (ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِناتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْراً) [النور : ١٢] ، أي ظن بعضهم ببعض خيرا ، أي يقول بعضهم لبعض.
ويجوز أن يكون المراد ب (أَنْفُسِهِمْ) مجامعهم كقوله تعالى : (وَقُلْ لَهُمْ فِي أَنْفُسِهِمْ قَوْلاً بَلِيغاً) ، أي قل لهم خاليا بهم سترا عليهم من الافتضاح. وتقدم في سورة النساء [٦٣] و (لَوْ لا) للتحضيض ، أي هلا يعذبنا الله بسبب كلامنا الذي نتناجى به من ذم النبي صلىاللهعليهوسلم ونحو ذلك ، أي يقولون ما معناه لو كان محمد نبيئا لعذبنا الله بما نقوله من السوء فيه ومن الذم وهو ما لخصه الله من قولهم بكلمة (لَوْ لا يُعَذِّبُنَا اللهُ) فإن (لَوْ لا) للتحضيض مستعملة كناية عن جحد نبوءة النبي صلىاللهعليهوسلم ، أي لو كان نبيئا لغضب الله علينا فلعذبنا الآن بسبب قولنا له.
وهذا خاطر من خواطر أهل الضلالة المتأصلة فيهم ، وهي توهمهم أن شأن الله تعالى كشأن البشر في إسراع الانتقام والاهتزاز مما لا يرضاه ومن المعاندة. وفي الحديث : «لا أحد أصبر على أذى يسمعه من الله ، يدعون له ندّا وهو يرزقهم على أنهم لجحودهم بالبعث والجزاء يحسبون أن عقاب الله تعالى يظهر في الدنيا». وهذا من الغرور قال تعالى : (وَذلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنْتُمْ بِرَبِّكُمْ أَرْداكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ مِنَ الْخاسِرِينَ) [فصلت : ٢٣] ، ولذلك قال تعالى ردا على كلامهم (حَسْبُهُمْ جَهَنَّمُ) أي كافيهم من العذاب جهنم فإنه عذاب.
وأصل (يَصْلَوْنَها) يصلون بها ، فضمّن معنى يذوقونها أو يحسونها وقد تكرر هذا الاستعمال في القرآن.