خاص بالمعتدّات الحوامل فإنه ينافي قوله تعالى : (لا تُخْرِجُوهُنَ) [الطلاق : ١] فتعين عود الضمير إلى النساء المطلقات كلّهن ، وبذلك يشمل المطلقة الرجعية والبائنة والحامل ، لما علمته في أول السورة من إرادة الرجعية والبائنة من لفظ (إِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ) [الطلاق : ١].
وجمهور أهل العلم قائلون بوجوب السكنى لهن جميعا. قال أشهب : قال مالك : يخرج عنها إذا طلقها وتبقى هي في المنزل. وروى ابن نافع قال مالك : فأما التي لم تبن فإنها زوجة يتوارثان والسكنى لهن لازمة لأزواجهن اه. يريد أنها مستغنى عن أخذ حكم سكناها من هذه الآية. ولا يريد أنها مستثناة من حكم الآية. وقال قتادة وابن أبي ليلى وإسحاق وأبو ثور وأحمد بن حنبل : لا سكنى للمطلقة طلاقا بائنا. ومتمسكهم في ذلك ما روته فاطمة بنت قيس : أن زوجها طلقها ثلاثا وأن أخا زوجها منعها من السكنى والنفقة ، وأنها رفعت أمرها إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم فقال لها : «إنما السكنى والنفقة على من له عليها الرجعة». وهو حديث غريب لم يعرفه أحد إلا من رواية فاطمة بنت قيس. ولم يقبله عمر بن الخطاب فقال : لا نترك كتاب الله وسنة نبيئنا لقول امرأة لا ندري لعلها نسيت أو شبّه عليها. وأنكرته عائشة على فاطمة بنت قيس فيما ذكرته من أنه أذن لها في الانتقال إلى مكان غير الذي طلقت فيه كما تقدم.
وروي أن عمر «روى عن النبي صلىاللهعليهوسلم أن للمطلقة البائنة سكنى» (١). ورووا أن قتادة وابن أبي ليلى أخذا بقوله تعالى : (لا تَدْرِي لَعَلَّ اللهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذلِكَ أَمْراً) [الطلاق : ١] إذ الأمر هو المراجعة ، فقصرا الطلاق في قوله : (إِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ) [الطلاق : ١] ، على الطلاق الرجعي لأن البائن لا تترقب بعده مراجعة وسبقها إلى هذا المأخذ فاطمة بنت قيس المذكورة.
روى مسلم أن مروان بن الحكم أرسل إلى فاطمة بنت قيس يسألها عن الحديث فحدثته فقال مروان : لم نسمع هذا الحديث إلا من المرأة سنأخذ بالعصمة التي وجدنا عليها الناس فبلغ قول مروان فاطمة بنت قيس فقالت : «بيني وبينكم القرآن ، قال الله عزوجل : (لا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَ) ، إلى قوله : (لا تَدْرِي لَعَلَّ اللهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذلِكَ أَمْراً) [الطلاق : ١] قالت : هذا لمن كانت له رجعة فأي أمر يحدث بعد الثلاث» اه.
ويرد على ذلك أن إحداث الأمر ليس قاصرا على المراجعة فإن من الأمر الذي يحدثه الله أن يرقق قلوبهما فيرغبا معا في إعادة المعاشرة بعقد جديد. وعلى تسليم اقتصار
__________________
(١) هكذا يروي المفسرون عن عمر : أنه سمع من النبي صلىاللهعليهوسلم ذلك ولم أقف عليه مسندا.