والشافعي ، إذ قالا : لا يجب الإرضاع على الأم حتى في العصمة فلما انقطع إنفاق الأب عليها بالبينونة تمحضت إقامة غذاء ابنه عليه فإن أرادت أن ترضعه فهي أحق بذلك ، ولها أجل الإرضاع وإن أبت فعليه أن يطلب ظئرا لابنه فإن كان الطفل غير قابل ثدي غير أمه وجب عليها إرضاعه ووجب على أبيه دفع أجرة رضاعه.
وقال أبو ثور : يجب إرضاع الابن على أمه ولو بعد البينونة. نقله عند أبو بكر ابن العربي في «الأحكام» وهو عجيب. وهذه الآية أمامه.
والائتمار : التشاور والتداول في النظر. وأصله مطاوع أمره لأن المتشاورين يأمر أحدهما الآخر فيأتمر الآخر بما أمره. ومنه تسمية مجامع أصحاب الدعوة أو النحلة أو القصد الموحّد مؤتمرا لأنه يقع الاستئمار فيه ، أي التشاور وتداول الآراء.
وقوله : (وَأْتَمِرُوا بَيْنَكُمْ) خطاب للرجال والنساء الواقع بينهم الطلاق ليتشاوروا في أمر إرضاع الأمّ ولدها. وما يبذله الأب لها من الأجرة على ذلك.
وقيد الائتمار بالمعروف ، أي ائتمارا ملابسا لما هو المعروف في مثل حالهم وقومهم ، أي معتاد مقبول ، فلا يشتطّ الأب في الشحّ ولا تشتط الأم في الحرص.
وقوله : (وَإِنْ تَعاسَرْتُمْ فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرى) عتاب وموعظة للأب والأمّ بأن ينزّل كل منهما نفسه منزلة ما لو اجتلبت للطفل ظئر ، فلا تسأل الأمّ أكثر من أجر أمثالها ، ولا يشحّ الأب عما يبلغ أجر أمثال أمّ الطفل ، ولا يسقط حق الأمّ إذا وجد الأب من يرضع له مجانا لأن الله قال : (فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرى) وإنما يقال : أرضعت له ، إذا استؤجرت لذلك ، كما يقال : استرضع أيضا ، إذا آجر من يرضع له ولده. وتقدم في سورة البقرة قوله تعالى : (وَإِنْ أَرَدْتُمْ أَنْ تَسْتَرْضِعُوا أَوْلادَكُمْ) [٢٣٣] الآية.
والتعاسر صدور العسر من الجانبين. وهو تفاعل من قولكم : عسرت فلانا ، إذا أخذته على عسره ، ويقال : تعاسر البيّعان إذا لم يتفقا.
فمعنى (تَعاسَرْتُمْ) اشتدّ الخلاف بينكم ولم ترجعوا إلى وفاق ، أي فلا يبقى الولد بدون رضاعة.
وسين الاستقبال مستعمل في معنى التأكيد ، كقوله : (قالَ سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّي) في سورة يوسف [٩٨]. وهذا المعنى ناشئ عن جعل علامة الاستقبال كناية عن تجدد ذلك الفعل في أزمنة المستقبل تحقيقا لتحصيله.