والأزمان والبلاد. وإنما اختلفوا في التوسع في الإنفاق في مال المؤسر هل يقضى عليه بالتوسعة على من ينفق هو عليه ولا أحسب الخلاف في ذلك إلا اختلافا في أحوال الناس وعوائدهم ولا بدّ من اعتبار حال المنفق عليه ومعتاده ، كالزوجة العالية القدر. وكل ذلك داخل تحت قول النبي صلىاللهعليهوسلم لهند : «ما يكفيك وولدك بالمعروف».
وجملة (لا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْساً إِلَّا ما آتاها) تعليل لقوله : (وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتاهُ اللهُ). لأن مضمون هذه الجملة قد تقرر بين المسلمين من قبل في قوله تعالى : (لا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها) في سورة البقرة [٢٨٦] ، وهي قبل سورة الطلاق.
والمقصود منه إقناع المنفق عليه بأن لا يطلب من المنفق أكثر من مقدرته. ولهذا قال علماؤنا : لا يطلّق على المعسر إذا كان يقدر على إشباع المنفق عليها وإكسائها بالمعروف ولو بشظف ، أي دون ضر.
و (مِمَّا آتاهُ اللهُ) يشمل المقدرة على الاكتساب فإذا كان من يجب عليه الإنفاق قادرا على الاكتساب لينفق من يجب عليه إنفاقه أو ليكمّل له ما ضاق عنه ماله ، يجبر على الاكتساب. وأما من لا قدرة له على الاكتساب وليس له ما ينفق منه فنفقته أو نفقة من يجب عليه إنفاقه على مراتبها تكون على بيت مال المسلمين. وقد قال عمر بن الخطاب : «وأن رب الصريمة ورب الغنيمة إن تهلك ماشيتهما يأتيني ببينة يقول يا أمير المؤمنين يا أمير المؤمنين ، أفتاركهم أينا» ، رواه مالك في «الموطأ».
وفي عجز الزوج عن إنفاق زوجه إذا طلبت الفراق لعدم النفقة خلاف. فمن الفقهاء من رأى ذلك موجبا بينهما بعد أجل رجاء يسر الزوج وقدر بشهرين ، وهو قول مالك. ومنهم من لم ير التفريق بين الزوجين بذلك وهو قول أبي حنيفة ، أي وتنفق من بيت مال المسلمين.
والذي يقتضيه النظر أنه إن كان بيت المال قائما فإن من واجبه نفقة الزوجين المعسرين وإن لم يتوصل إلى الإنفاق من بيت المال كان حقا أن يفرّق القاضي بينهما ولا يترك المرأة وزوجها في احتياج. ومحل بسط ذلك في مسائل الفقه.
وجملة (سَيَجْعَلُ اللهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْراً) تكملة للتذييل فإن قوله : (لا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْساً إِلَّا ما آتاها) يناسب مضمون جملة (لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ).
وقوله : (سَيَجْعَلُ اللهُ) إلخ تناسب مضمون (وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ) إلخ. وهذا