بمراقبتهم ، لأن الصغير يثير الجليل ، فذكّر المسلمين (وليسوا ممن يعتو على أمر ربهم) بما حلّ بأقوام من عقاب عظيم على قلة اكتراثهم بأمر الله ورسله لئلا يسلكوا سبيل التهاون بإقامة الشريعة ، فيلقي بهم ذلك في مهواة الضلال.
وهذا الكلام مقدمة لما يأتي من قوله : (فَاتَّقُوا اللهَ يا أُولِي الْأَلْبابِ) الآيات. فالجملة معطوفة على مجموع الجمل السابقة عطف غرض على غرض.
و (كَأَيِّنْ) اسم لعدد كثير مبهم يفسره ما يميزه بعده من اسم مجرور بمن و (كَأَيِّنْ) بمعنى (كم) الخبرية. وقد تقدم عند قوله تعالى : (وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ) في آل عمران [١٤٦].
والمقصود من إفادة التكثير هنا تحقيق أن العذاب الذي نال أهل تلك القرى شيء ملازم لجزائهم على عتوّهم عن أمر ربهم ورسله فلا يتوهم متوهم أن ذلك مصادفة في بعض القرى وأنها غير مطردة في جميعهم.
و (كَأَيِّنْ) في موضع رفع على الابتداء ، وهو مبني.
وجملة (عَتَتْ عَنْ أَمْرِ رَبِّها) في موضع الخبر ل (كَأَيِّنْ).
والمعنى : الإخبار بكثرة ذلك باعتبار ما فرع عليه من قوله : (فَحاسَبْناها) فالمفرع هو المقصود من الخبر.
والمراد بالقرية : أهلها على حد قوله : (وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ الَّتِي كُنَّا فِيها) [يوسف : ٨٢] بقرينة قوله عقب ذلك (أَعَدَّ اللهُ لَهُمْ عَذاباً شَدِيداً) إذ جيء بضمير جمع العقلاء.
وإنما أوثر لفظ القرية هنا دون الأمة ونحوها لأن في اجتلاب هذا اللفظ تعريضا بالمشركين من أهل مكة ومشايعة لهم بالنذارة ولذلك كثر في القرآن ذكر أهل القرى في التذكير بعذاب الله في نحو (وَكَمْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْناها) [الأعراف : ٤].
وفيه تذكير للمسلمين بوعد الله بنصرهم ومحق عدوّهم.
والعتوّ ويقال العتيّ : تجاوز الحدّ في الاستكبار والعناد. وضمن معنى الإعراض فعدي بحرف (عَنْ).
والمحاسبة مستعملة في الجزاء على الفعل بما يناسب شدته من شديد العقاب ، تشبيها لتقدير الجزاء بإجراء الحساب بين المتعاملين ، وهو الحساب في الدنيا ، ولذلك جاء