إرشاد الرسول صلىاللهعليهوسلم.
والذكر : القرآن. وقد سمي بالذكر في آيات كثيرة لأنه يتضمن تذكير الناس بما هم في غفلة عنه من دلائل التوحيد وما يتفرع عنها من حسن السلوك ، ثم تذكيرهم بما تضمنه من التكاليف وبيناه عند قوله تعالى : (وَقالُوا يا أَيُّهَا الَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ) في سورة الحجر [٦]. وإنزال القرآن تبليغه إلى الرسول صلىاللهعليهوسلم بواسطة الملك واستعير له الإنزال لأن الذكر مشبه بالشيء المرفوع في السماوات ، كما تقدم في سورة الحجر وفي آيات كثيرة.
وجعل إنزال الذكر إلى المؤمنين لأنهم الذين انتفعوا به وعملوا بما فيه فخصصوا هنا من بين جميع الأمم لأن القرآن أنزل إلى الناس كلهم.
وقوله : (رَسُولاً) بدل من (ذِكْراً) بدل اشتمال لأن بين القرآن والرسول محمدصلىاللهعليهوسلم ملازمة وملابسة فإن الرسالة تحققت له عند نزول القرآن عليه ، فقد أعمل فعل (أَنْزَلَ) في (رَسُولاً) تبعا لإعماله في المبدل منه باعتبار هذه المقارنة واشتمال مفهوم أحد الاسمين على مفهوم الآخر. وهذا كما أبدل (رَسُولٌ مِنَ اللهِ) [البينة : ٢] من قوله: (حَتَّى تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَةُ) في سورة البينة [١].
والرسول : هو محمد صلىاللهعليهوسلم.
وأما تفسير الذكر بجبريل ، وهو مروي عن الكلبي لتصحيح إبدال (رَسُولاً) منه ففيه تكلفات لا داعي إليها فإنه لا محيص عن اعتبار بدل الاشتمال ، ولا يستقيم وصف جبريل بأنه يتلو على الناس الآيات فإن معنى التلاوة بعيد من ذلك ، وكذلك تفسير الذكر بجبريل.
ويجوز أن يكون (رَسُولاً) مفعولا لفعل محذوف يدل عليه (أَنْزَلَ اللهُ) وتقديره : وأرسل إليكم رسولا ، ويكون حذفه إيجازا إلا أن الوجه السابق أبلغ وأوجز.
وقرأ نافع وابن كثير وأبو عمرو وأبو بكر عن عاصم (مُبَيِّناتٍ) بفتح الياء. وقرأه الباقون بكسرها ومآل القراءتين واحد.
وجعلت علة إنزال الذكر إخراج المؤمنين الصالحين من الظلمات إلى النور وإن كانت علة إنزاله إخراج جميع الناس من ظلمات الكفر وفساد الأعمال إلى نور الإيمان والأعمال الصالحات ، نظرا لخصوص الفريق الذي انتفع بهذا الذكر اهتماما بشأنهم. وليس ذلك بدالّ على أن العلة مقصورة على هذا الفريق ولكنه مجرد تخصيص بالذكر. وقد تقدم نظير هذه الجملة في مواضع كثيرة منها أول سورة الأعراف.