والعابدات : المقبلات على عبادة الله وهذه الصفات تفيد الإشارة إلى فضل هذه التقوى وهو المعنى السابع عشر من معاني العبرة في هذه الآيات.
والسائحات : المهاجرات وإنما ذكر هذا الوصف لتنبيههن على أنهنّ إن كنّ يمتنّ بالهجرة فإن المهاجرات غيرهن كثير ، والمهاجرات أفضل من غيرهن ، وهذه الصفة تشير إلى المعنى الثامن عشر من معاني الاعتبار في هذه الآي.
وهذه الصفات انتصبت على أنها نعوت ل (أَزْواجاً) ، ولم يعطف بعضها على بعض الواو ، لأجل التنصيص على ثبوت جميع تلك الصفات لكل واحدة منهن ولو عطفت بالواو لاحتمل أن تكون الواو للتقسيم ، أي تقسيم الأزواج إلى من يثبت لهن بعض تلك الصفات دون بعض ، ألا ترى أنه لما أريدت إفادة ثبوت إحدى صفتين دون أخرى من النعتين الواقعين بعد ذلك كيف عطف بالواو قوله : (وَأَبْكاراً) لأن الثّيبات لا يوصفن بأبكار. والأبكار لا يوصفن بالثيّبات. قلت وفي قوله تعالى : (مُسْلِماتٍ) ، إلى قوله : (سائِحاتٍ) محسن الكلام المتزن إذ يلتئم من ذلك بيت من بحر الرمل التام :
فاعلتن فاعلتن فاعلتن |
|
فاعلاتن فاعلاتن فاعلتن |
ووجه هذا التفصيل في الزوجات المقدرات لأن كلتا الصفتين محاسنها عند الرجال ؛ فالثيب أرعى لواجبات الزوج وأميل مع أهوائه وأقوم على بيته وأحسن لعابا وأبهى زينة وأحلى غنجا.
والبكر أشد حياء وأكثر غرارة ودلا وفي ذلك مجلبة للنفس ، والبكر لا تعرف رجلا قبل زوجها ففي نفوس الرجال خلق من التنافس في المرأة التي لم يسبق إليها غيرهم.
فما اعتزت واحدة من أزواج النبي صلىاللهعليهوسلم بمزية إلا وقد أنبأها الله بأن سيبدله خيرا منها في تلك المزية أيضا.
وهذا هو المعنى التاسع عشر من معاني الموعظة والتأديب في هذه الآيات.
وتقديم وصف (ثَيِّباتٍ) لأن أكثر أزواج النبي صلىاللهعليهوسلم لمّا تزوجهن كن ثيبات. ولعله إشارة إلى أن الملام الأشد موجه إلى حفصة قبل عائشة وكانت حفصة ممن تزوجهن ثيبات وعائشة هي التي تزوجها بكرا. وهذا التعريض أسلوب من أساليب التأديب كما قيل : «الحر تكفيه الإشارة».
وهذا هو المعنى العشرون من مغزى آداب هذه الآيات.