الله هذه الآية تطييبا لخاطر الذين أقيموا ، وتعليما للأمة بواجب رعي فضيلة أصحاب الفضيلة منها ، وواجب الاعتراف بمزية أهل المزايا ، قال الله تعالى : (وَلا تَتَمَنَّوْا ما فَضَّلَ اللهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلى بَعْضٍ) [النساء : ٣٢] ، وقال : (لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقاتَلَ أُولئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقاتَلُوا وَكُلًّا وَعَدَ اللهُ الْحُسْنى) [الحديد : ١٠].
والخطاب ب (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا) خطاب لجميع المؤمنين يعم من حضروا المجلس الذي وقعت فيه حادثة سبب النزول وغيرهم ممن عسى أن يحضر مجلس الرسول صلىاللهعليهوسلم.
وابتدئت الآية بالأمر بالتفسح لأن إقامة الذين أقيموا إنما كانت لطلب التفسيح فإناطة الحكم إيماء إلى علة الحكم.
والتفسح : التوسع وهو تفعل من فسح له بفتح السين مخففة إذا أوجد له فسحة في مكان ، وفسح المكان من باب كرم إذا صار فسيحا. ومادة التفعل هنا للتكلف ، أي يكلف أن يجعل فسحة في المكان وذلك بمضايقة مع الجلّاس.
وتعريف (الْمَجالِسِ) يجوز أن يكون تعريف العهد ، وهو مجلس النبيصلىاللهعليهوسلم ، أي إذا قال النبي صلىاللهعليهوسلم لكم ذلك لأن أمره لا يكون إلا لمراعاة حق راجح على غيره والمجلس مكان الجلوس. وكان مجلس النبي صلىاللهعليهوسلم بمسجده والأكثر أن يكون جلوسه المكان المسمّى بالروضة وهو ما بين منبر النبي صلىاللهعليهوسلم وبيته.
ويجوز أن يكون تعريف (الْمَجالِسِ) تعريف الجنس. وقوله : (يَفْسَحِ اللهُ لَكُمْ) مجزوم في جواب قوله : (فَافْسَحُوا) ، وهو وعد بالجزاء على الامتثال لأمر التفسح من جنس الفعل إذ جعلت توسعة الله على الممتثل جزاء على امتثاله الذي هو إفساحه لغيره فضمير (لَكُمْ) عائد على (الَّذِينَ آمَنُوا) باعتبار أن الذين يفسحون هم من جملة المؤمنين لأن الحكم مشاع بين جميع الأمة وإنما الجزاء للذين تعلق بهم الأمر تعلقا إلزاميا.
وحذف متعلق (يَفْسَحِ اللهُ لَكُمْ) ليعم كل ما يتطلب الناس الإفساح فيه بحقيقته ومجازه في الدنيا والآخرة من مكان ورزق أو جنة عرضها السماوات والأرض على حسب النيات ، وتقديره الجزاء موكول إلى إرادة الله تعالى.
وحذف فاعل القول لظهوره ، أي إذا قال لكم الرسول : تفسحوا فافسحوا ، فإن الله يثيبكم على ذلك.