بالجزاء على الامتثال للأمر الشرعي فيما فيه أمر أو لما يقتضي الأمر من علّة يقاس بها على المأمور به أمثاله مما فيه علة الحكم كما تقدم في قوله تعالى : (فَافْسَحُوا).
ولما كان النشوز ارتفاعا عن المكان الذي كان به كان جزاؤه من جنسه.
وتنكير (دَرَجاتٍ) للإشارة إلى أنواعها من درجات الدنيا ودرجات الآخرة.
وضمير (مِنْكُمْ) خطاب للذين نودوا ب (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا).
و (من) تبعيضية ، أي يرفع الله درجات الذين امتثلوا. وقرينة هذا التقدير هي جعل الفعل جزاء للأمر فإن الجزاء مسبب عما رتب عليه بقوله : (مِنْكُمْ) صفة للذين آمنوا. أي الذين آمنوا من المؤمنين والتغاير بين معنى الوصف ومعنى الموصوف بتغاير المقدّر وإن كان لفظ الوصف ولفظ الموصوف مترادفين في الظاهر. فآل الكلام إلى تقدير : يرفع الله الذين استجابوا للأمر بالنشوز إذا كانوا من المؤمنين ، أي دون من يضمه المجلس من المنافقين. فكان مقتضى الظاهر أن يقال : يرفع الله الناشزين منكم فاستحضروا بالموصول بصلة الإيمان لما تؤذن به الصلة من الإيماء إلى علة رفع الدرجات لأجل امتثالهم أمر القائل (انْشُزُوا) وهو الرسول صلىاللهعليهوسلم إن كان لإيمانهم وأن ذلك الامتثال من إيمانهم ليس لنفاق أو لصاحبه امتعاض.
وعطف («الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ) منهم» عطف الخاص على العام لأن غشيان مجلس الرسول صلىاللهعليهوسلم إنما هو لطلب العلم من مواعظه وتعليمه ، أي والذين أوتوا العلم منكم أيها المؤمنون ، لأن الذين أوتوا العلم قد يكون الأمر لأحد بالقيام من المجلس لأجلهم ، أي لأجل إجلاسهم ، وذلك رفع لدرجاتهم في الدنيا ، ولأنهم إذا تمكنوا من مجلس الرسولصلىاللهعليهوسلم كان تمكنهم أجمع للفهم وأنفى للملل ، وذلك أدعى لإطالتهم الجلوس وازديادهم التلقي وتوفير مستنبطات أفهامهم فيما يلقى إليهم من العلم ، فإقامة الجالسين في المجلس لأجل إجلاس الذين أوتوا العلم من رفع درجاتهم في الدنيا.
ولعل البدريين الذين نزلت الآية بسبب قصتهم كانوا من الصحابة الذين أوتوا العلم.
ويجوز أن بعضا من الذين أمروا بالقيام كان من أهل العلم فأقيم لأجل رجحان فضيلة البدريين عليه ، فيكون في الوعد للذي أقيم من مكانه برفع الدرجات استئناس له بأن الله رافع درجته.
هذا تأويل نظم الآية الذي اقتضاه قوة إيجازه. وقد ذهب المفسرون في الإفصاح عن