ومفاد حرف الظرفية أنهم كائنون في زمرة القوم الموصوفين بأنهم أذلّون ، أي شديدو المذلة ليتصورهم السامع في كل جماعة يرى أنهم أذلّون ، فيكون هذا النظم أبلغ من أن يقال : أولئك هم الأذلّون.
واسم الإشارة تنبيه على أن المشار إليهم جديرون بما بعد اسم الإشارة من الحكم بسبب الوصف الذي قبل اسم الإشارة مثل (أُولئِكَ عَلى هُدىً مِنْ رَبِّهِمْ) [البقرة : ٥].
وتقدم الكلام على (يُحَادُّونَ اللهَ وَرَسُولَهُ) في أوائل هذه السورة [٥].
وجملة (كَتَبَ اللهُ لَأَغْلِبَنَ) علة لجملة (أُولئِكَ فِي الْأَذَلِّينَ) أي لأن الله أراد أن يكون رسوله صلىاللهعليهوسلم غالبا لأعدائه وذلك من آثار قدرة الله التي لا يغلبها شيء وقد كتب لجميع رسله الغلبة على أعدائهم ، فغلبتهم من غلبة الله إذ قدرة الله تتعلق بالأشياء على وفق إرادته وإرادة الله لا يغيّرها شيء ، والإرادة تجري على وفق العلم ومجموع توارد العلم والإرادة والقدرة على الموجود هو المسمى بالقضاء. وهو المعبر عنه هنا ب (كَتَبَ اللهُ) لأن الكتابة استعيرت المعنى : قضى الله ذلك وأراد وقوعه في الوقت الذي علمه وأراده فهو محقق الوقوع لا يتخلف مثل الأمر الذي يراد ضبطه وعدم الإخلال به فإنه يكتب لكي لا ينسى ولا ينقص منه شيء ولا يجحد التراضي عليه.
فثبت لرسوله صلىاللهعليهوسلم الغلبة لشمول ما كتبه الله لرسله إياه وهذا إثبات لغلبة رسوله أقواما يحادّونه بطريق برهاني.
فجملة (لَأَغْلِبَنَ) مصوغة صيغة القول ترشيحا لاستعارة (كَتَبَ) إلى معنى قضى وقدر. والمعنى : قضى مدلول هذه الجملة ، أي قضى بالغلبة لله ورسولهصلىاللهعليهوسلم ، فكأن هذه الجملة هي المكتوبة من الله. والمراد : الغلبة بالقوة لأن الكلام مسوق مساق التهديد. وأما الغلبة بالحجة فأمر معلوم.
وجملة (إِنَّ اللهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ) تعليل لجملة (لَأَغْلِبَنَ) لأن الذي يغالب الغالب مغلوب. قال حسان :
زعمت سخينة أن ستغلب ربّها |
|
وليغلبنّ مغالب الغلّاب |
(لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوادُّونَ مَنْ حَادَّ اللهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كانُوا آباءَهُمْ أَوْ أَبْناءَهُمْ أَوْ إِخْوانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ