وهو بصريحه امتنان على المسلمين بأن الله ساق لهم أموال بني النضير دون قتال ، مثل قوله تعالى : (وَكَفَى اللهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتالَ) [الأحزاب : ٢٥] ، ويفيد مع ذلك كناية بأن يقصد بالإخبار عنه بأنهم لم يوجفوا عليه لازم الخبر وهو أنه ليس لهم سبب حقّ فيه. والمعنى : فما هو من حقّكم ، أو لا تسألوا قسمته لأنكم لم تنالوه بقتالكم ولكن الله أعطاه رسولهصلىاللهعليهوسلم نعمة منه بلا مشقة ولا نصب.
والإيجاف : نوع من سير الخيل. وهو سير سريع بإيقاع وأريد به الركض للإغارة لأنه يكون سريعا.
والركاب : اسم جمع للإبل التي تركب. والمعنى : ما أغرتم عليه بخيل ولا إبل.
وحرف (على) في قوله تعالى : (فَما أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ) للتعليل ، وليس لتعدية (أَوْجَفْتُمْ) لأن معنى الإيجاف لا يتعدى إلى الفيء بحرف الجر ، أو متعلق بمحذوف هو مصدر (أَوْجَفْتُمْ) ، أي إيجافا لأجله.
و (مِنْ) في قوله : (مِنْ خَيْلٍ) زائدة داخلة على النكرة في سياق النفي ومدخول (مِنْ) في معنى المفعول به ل (أَوْجَفْتُمْ) أي ما سقتم خيلا ولا ركابا.
وقوله : (وَلكِنَّ اللهَ يُسَلِّطُ رُسُلَهُ عَلى مَنْ يَشاءُ) استدراك على النفي الذي في قوله تعالى : (فَما أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ) لرفع توهم أنه لا حقّ فيه لأحد. والمراد : أن الله سلط عليه رسوله صلىاللهعليهوسلم. فالرسول أحق به. وهذا التركيب يفيد قصرا معنويا كأنه قيل : فما سلطكم الله عليهم ولكن سلط عليهم رسوله صلىاللهعليهوسلم.
وفي قوله تعالى : (وَلكِنَّ اللهَ يُسَلِّطُ رُسُلَهُ عَلى مَنْ يَشاءُ) إيجاز حذف لأن التقدير: ولكن الله سلط عليهم رسوله صلىاللهعليهوسلم. والله يسلط رسله على من يشاء وكان هذا بمنزلة التذييل لعمومه وهو دال على المقدر.
وعموم (مَنْ يَشاءُ) لشمول أنه يسلط رسله على مقاتلين ويسلطهم على غير المقاتلين.
والمعنى : وما أفاء الله على رسوله صلىاللهعليهوسلم إنما هو بتسليط الله رسوله صلىاللهعليهوسلم عليهم ، وإلقاء الرعب في قلوبهم والله يسلط رسله على من يشاء. فأغنى التذييل عن المحذوف ، أي فلا حقّ لكم فيه فيكون من مال الله يتصرّف فيه رسوله صلىاللهعليهوسلم وولاة الأمور من بعده.