ومن الذين جعلوا قوله : (وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُا) [الحشر : ٩] معطوفا على (لِلْفُقَراءِ الْمُهاجِرِينَ) [الحشر : ٨] من جعل قوله : (وَالَّذِينَ جاؤُ مِنْ بَعْدِهِمْ) مستأنفا. ونسبه ابن الفرس في «أحكام القرآن» إلى الشافعي. ورأى أن الفيء إذا كان أرضا فهو إلى تخيير الإمام وليس يتعين صرفه للأصناف المذكورة في فيء بني النضير.
وجملة (يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنا) على التفسير المختار في موضع الحال من (الَّذِينَ جاؤُ مِنْ بَعْدِهِمْ).
والغلّ بكسر الغين : الحسد والبغض ، أي سألوا الله أن يطهر نفوسهم من الغلّ والحسد للمؤمنين السابقين على ما أعطوه من فضيلة صحبة النبيّ صلىاللهعليهوسلم وما فضّل به بعضهم من الهجرة وبعضهم من النصرة ، فبيّن الله للذين جاءوا من بعدهم ما يكسبهم فضيلة ليست للمهاجرين والأنصار ، وهي فضيلة الدعاء لهم بالمغفرة وانطواء ضمائرهم على محبتهم وانتفاء البغض لهم.
والمراد أنهم يضمرون ما يدعون الله به لهم في نفوسهم ويرضوا أنفسهم عليه.
وقد دلت الآية على أن حقا على المسلمين أن يذكروا سلفهم بخير ، وأن حقا عليهم محبة المهاجرين والأنصار وتعظيمهم ، قال مالك : من كان يبغض أحدا من أصحاب محمدصلىاللهعليهوسلم أو كان قلبه عليه غل فليس له حق في فيء المسلمين ، ثم قرأ (وَالَّذِينَ جاؤُ مِنْ بَعْدِهِمْ) الآية.
فلعله أخذ بمفهوم الحال من قوله تعالى : (يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنا) الآية ، فإن المقصد من الثناء عليهم بذلك أن يضمروا مضمونه في نفوسهم فإذا أضمروا خلافه وأعلنوا بما ينافي ذلك فقد تخلف فيهم هذا الوصف ، فإن الفيء عطية أعطاها الله تلك الأصناف ولم يكتسبوها بحق قتال ، فاشترط الله عليهم في استحقاقها أن يكونوا محبين لسلفهم غير حاسدين لهم.
وهو يعني إلا ما كان من شنآن بين شخصين لأسباب عادية أو شرعية مثل ما كان بين العباس وعليّ حين تحاكما إلى عمر ، فقال العباس : اقض بيني وبين هذا الظالم الخائن الغادر. ومثل إقامة عمر حدّ القذف على أبي بكرة.
وأما ما جرى بين عائشة وعليّ من النزاع والقتال وبين عليّ ومعاوية من القتال فإنما كان انتصارا للحق في كلا رأيي الجانبين وليس ذلك لغلّ أو تنقص ، فهو كضرب القاضي