لأنه قد يسأل السائل : كيف ذلك ونحن نراهم متفقين؟ فأجيب بأن ظاهر حالهم حال اجتماع واتحاد وهم في بواطنهم مختلفون فآراؤهم غير متفقة إلا إلفة بينهم لأن بينهم إحنا وعداوات فلا يتعاضدون.
والخطاب لغير معيّن لأن النبي صلىاللهعليهوسلم لا يحسب ذلك. وهذا تشجيع للمسلمين على قتالهم والاستخفاف بجماعتهم. وفي الآية تربية للمسلمين ليحذروا من التخالف والتدابر ويعلموا أن الأمة لا تكون ذات بأس على أعدائها إلا إذا كانت متفقة الضمائر يرون رأيا متماثلا في أصول مصالحهما المشتركة ، وإن اختلفت في خصوصياتها التي لا تنقض أصول مصالحها ، ولا تفرّق جامعتها ، وأنه لا يكفي في الاتحاد توافق الأقوال ولا التوافق على الأغراض إلا أن تكون الضمائر خالصة من الإحن والعداوات.
والقلوب : العقول والأفكار ، وإطلاق القلب على العقل كثير في اللغة.
وشتّى : جمع شتيت بمعنى مفارق بوزن فعلى مثل قتيل وقتلى ، شبهت العقول المختلفة مقاصدها بالجماعات المتفرقين في جهات في أنها لا تتلاقى في مكان واحد ، والمعنى : أنهم لا يتفقون على حرب المسلمين.
وقوله : (ذلِكَ) إشارة إلى ما ذكر من أن بأسهم بينهم ومن تشتت قلوبهم أي ذلك مسبب على عدم عقلهم إذ انساقوا إلى إرضاء خواطر الأحقاد والتشفي بين أفرادهم وأهملوا النظر في عواقب الأمور واتباع المصالح فأضاعوا مصالح قومهم.
ولذلك أقحم لفظ القوم في قوله (بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَعْقِلُونَ) إيماء إلى أن ذلك من آثار ضعف عقولهم حتى صارت عقولهم كالمعدومة فالمراد : أنهم لا يعقلون المعقل الصحيح.
وأوثر هنا (لا يَعْقِلُونَ). وفي الآية التي قبلها (لا يَفْقَهُونَ) [الحشر : ١٣] لأن معرفة مآل التشتت في الرأي وصرف البأس إلى المشارك في المصلحة من الوهن والفتّ في ساعد الأمة معرفة «مشهورة» بين العقلاء. قال أحد بني نبهان يخاطب قومه إذ أزمعوا على حرب بعضهم :
وأن الحزامة أن تصرفوا |
|
لحي سوانا صدور الأسل |
فإهمالهم سلوك ذلك جعلهم سواء مع من لا عقول لهم فكانت هذه الحالة شقوة لهم حصلت منها سعادة للمسلمين.
وقد تقدم غير مرة أن إسناد الحكم إلى عنوان قوم يؤذن بأن ذلك الحكم كالجبلّة