وجملة (وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ ما قَدَّمَتْ لِغَدٍ) ، عطف أمر على أمر آخر. وهي معترضة بين جملة (اتَّقُوا اللهَ) وجملة (إِنَّ اللهَ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ). وذكر (نَفْسٌ) إظهار في مقام الإضمار لأن مقتضى الظاهر : وانظروا ما قدمتم ، فعدل عن الإظهار لقصد العموم أي لتنظروا وتنظر كل نفس.
وتنكير (نَفْسٌ) يفيد العموم في سياق الأمر ، أي لتنظر كل نفس ، فإن الأمر والدعاء ونحوهما كالشرط تكون النكرة في سياقها مثل ما هي في سياق النفي كقوله تعالى : (وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجارَكَ فَأَجِرْهُ) [التوبة : ٦] وكقول الحريري :
يا أهل ذا المغني وقيتم ضرّا
(أي كل ضر).
وإنما لم يعرّف بلام التعريف تنصيصا على العموم لئلا يتوهم نفس معهودة.
وأطلق «غد» على الزمن المستقبل مجازا لتقريب الزمن المستقبل من البعيد لملازمة اقتراب الزمن لمفهوم الغد ، لأن الغد هو اليوم الموالي لليوم الذي فيه المتكلم فهو أقرب أزمنة المستقبل كما قال قرّاد بن أجدع :
فإن يك صدر هذا اليوم ولّى |
|
فإن غدا لناظره قريب |
وهذا المجاز شائع في كلام العرب في لفظ (غد) وأخواته قال زهير :
وأعلم علم اليوم والأمس قبله |
|
ولكنني عن علم ما في غد عم |
يريد باليوم الزمن الحاضر ، وبالأمس الزمن الماضي ، وبالغد الزمن المستقبل.
وتنكير «غد» للتعظيم والتهويل ، أي لغد لا يعرف كنهه.
واللام في قوله : (لِغَدٍ) لام العلة ، أي ما قدمته لأجل يوم القيامة ، أي لأجل الانتفاع به.
والتقديم : مستعار للعمل الذي يعمل لتحصيل فائدته في زمن آت شبه قصد الانتفاع به في المستقبل بتقديم من يحلّ في المنزل قبل ورود السائرين إليه من جيش أو سفر ليهيّئ لهم ما يصلح أمرهم ، ومنه مقدمة الجيش وتقديم الرائد قبل القافلة. قال تعالى : (وَما تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللهِ) [البقرة : ١١٠] ويقال في ضده : أخّر ، إذا ترك عمل شيء قال تعالى : (عَلِمَتْ نَفْسٌ ما قَدَّمَتْ وَأَخَّرَتْ) [الانفطار : ٥].