مدة. وهما عند المتكلمين من الأعراض المختصة بالحي ، وعند الحكماء من مقولة الكيف ومن قسم الكيفيات النفسانية منه.
فالحياة : قوة تتبع اعتدال المزاج النوعي لتفيض منها سائر القوى.
و (الْمَوْتَ) : كيفية عدمية هو عدم الحياة عما شأنه أن يوصف بالحياة أو الموت ، أي زوال الحياة عن الحي ، فبين الحياة والموت تقابل العدم والملكة.
ومعنى خلق الحياة : خلق الحي لأن قوام الحي هو الحياة ، ففي خلقه خلق ما به قوامه ، وأما معنى (خَلَقَ الْمَوْتَ) فإيجاد أسبابه وإلّا فإن الموت عدم لا يتعلق به الخلق بالمعنى الحقيقي ، ولكنه لما كان عرضا للمخلوق عبّر عن حصوله بالخلق تبعا كما في قوله تعالى : (وَاللهُ خَلَقَكُمْ وَما تَعْمَلُونَ) [الصافات : ٩٦].
وأيضا لأن الموت تصرف في الموجود القادر الذي من شأنه أن يدفع عن نفسه ما يكرهه. والموت مكروه لكل حي فكانت الإماتة مظهرا عظيما من مظاهر القدرة لأن فيها تجلي وصف القاهر.
فأما الإحياء فهو من مظاهر وصف القادر ولكن مع وصفه المنعم.
فمعنى القدرة في الإماتة أظهر وأقوى لأن القهر ضرب من القدرة.
ومعنى القدرة في الإحياء خفي بسبب أمرين بدقة الصنع وذلك من آثار صفة العلم ، وبنعمة كمال الجنس وذلك من آثار صفة الإنعام. وقد تقدم بيان ذلك عند قوله تعالى : (وَكُنْتُمْ أَمْواتاً فَأَحْياكُمْ) في [سورة البقرة : ٢٨].
وفي ذكرهما تخلص إلى ما يترتب عليهما من الآثار التي أعظمها العمل في الحياة والجزاء عليه بعد الموت ، وذلك ما تضمنه قوله : (لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً) فإن معنى الابتلاء مشعر بترتب أثر له وهو الجزاء على العمل للتذكير بحكمة جعل هذين الناموسين البديعين في الحيوان لتظهر حكمة خلق الإنسان ويفضيا به إلى الوجود الخالد ، كما أشار إليه قوله تعالى : (أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّما خَلَقْناكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنا لا تُرْجَعُونَ) [المؤمنون : ١١٥].
وهذا التعليل من قبيل الإدماج.
وفيه استدلال على الوحدانية بدلالة في أنفسهم قال تعالى : (وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلا تُبْصِرُونَ) [الذاريات : ٢١].