على أن كلّ صلة من هذه الصلات الثمان هي من أسباب الكون في الجنات.
وهذه الصفات لا يشاركهم المشركون في معظمها بالمرة ، وبعضها قد يتصف به المشركون ولكنهم لا يراعونه حق مراعاته باطراد ، وذلك حفظ الأمانات والعهد ، فالمشرك يحفظ الأمانة والعهد اتقاء مذمة الخيانة والغدر ، ومع أحلافه دون أعدائه ، والمشرك يشهد بالصدق إذا لم يكن له هوى في الكذب ، وإذا خشي أن يوصم بالكذب. وقد غدر المشركون بالمسلمين في عدة حوادث ، وغدر بعضهم بعضا ، فلو علم المشرك أنه لا يطلع على كذبه وكان له هوى لم يؤد الشهادة.
ولما كان وصف (الْمُصَلِّينَ) غلب على المسلمين كما دل عليه قوله تعالى : (ما سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ قالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ) الآية [المدثر : ٤٢ ، ٤٣] ، أتبع وصف المصلين في الآية هذه بوصف (الَّذِينَ هُمْ عَلى صَلاتِهِمْ دائِمُونَ) أي مواظبون على صلاتهم لا يتخلفون عن أدائها ولا يتركونها.
والدوام على الشيء : عدم تركه ، وذلك في كل عمل بحسب ما يعتبر دواما فيه ، كما تقرر في أصول الفقه في مسألة إفادة الأمر التكرار.
وفي إضافة (صلاة) إلى ضمير (الْمُصَلِّينَ) تنويه باختصاصها بهم ، وهذا الوصف للمسلمين مقابل وصف الكافرين في قوله : (بِعَذابٍ واقِعٍ لِلْكافِرينَ) [المعارج : ١ ، ٢].
ومجيء الصلة جملة اسمية دون أن يقال : الذين يدومون ، لقصد إفادتها الثبات تقوية كمفاد الدوام.
وإعادة اسم الموصول مع الصّلات المعطوفة على قوله (الَّذِينَ هُمْ عَلى صَلاتِهِمْ دائِمُونَ) لمزيد العناية بأصحاب تلك الصّلات.
وتسمية ما يعطونه من أموالهم من الصدقات باسم (حَقٌ) للإشارة إلى أنهم جعلوا السائل والمحروم كالشركاء لهم في أموالهم من فرط رغبتهم في مواساة إخوانهم إذ لم تكن الصدقة يومئذ واجبة ولم تكن الزكاة قد فرضت.
ومعنى كون الحق معلوما أنه يعلمه كل واحد منهم ويحسبونه ، ويعلمه السائل والمحروم بما اعتاد منهم.
ومجيء الصلة جملة اسمية لإفادة ثبات هذه الخصلة فيهم وتمكنها منهم دفعا لتوهم