الشح في بعض الأحيان لما هو معروف بين غالب الناس من معاودة الشحّ للنفوس.
والسائل : هو المستعطي ، و (الْمَحْرُومِ) : الذي لا يسأل الناس تعففا مع احتياجه فلا يتفطن له كثير من الناس فيبقى كالمحروم.
وأصل المحروم : الممنوع من مرغوبه ، وتقدم في سورة الذاريات [١٩] في قوله : (وَفِي أَمْوالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ). وهذه الصفة للمؤمنين مضادة صفة الكافرين المتقدمة في قوله : (وَجَمَعَ فَأَوْعى) [المعارج : ١٨].
والتصديق بيوم الدين هو الإيمان بوقوع البعث والجزاء ، و (الدِّينِ) : الجزاء. وهذا الوصف مقابل وصف الكافرين بقوله : (إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيداً) [المعارج : ٦].
ولما كان التصديق من عمل القلب لم يتصور أن يكون فيه تفاوت أتي بالجملة الفعلية على الأصل في صلة الموصول ، وأوثر فيها الفعل المضارع لدلالته على الاستمرار.
ووصفهم بأنهم (مِنْ عَذابِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ) مقابل قوله في حق الكافرين (سَأَلَ سائِلٌ بِعَذابٍ واقِعٍ لِلْكافِرينَ) [المعارج : ١ ، ٢] لأن سؤالهم سؤال مستخف بذلك ومحيله.
والإشفاق : توقع حصول المكروه وأخذ الحذر منه.
وصوغ الصلة بالجملة الاسمية لتحقيق وثبات اتصافهم بهذا الإشفاق لأنه من المغيبات ، فمن شأن كثير من الناس التردد فيه.
وجملة (إِنَّ عَذابَ رَبِّهِمْ غَيْرُ مَأْمُونٍ) معترضة ، أي غير مأمون لهم ، وهذا تعريض بزعم المشركين الأمن منه إذ قالوا : (وَما نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ) [الشعراء : ١٣٨]. ووصفهم بأنهم (لِفُرُوجِهِمْ حافِظُونَ) مقابل قوله في تهويل حال المشركين يوم الجزاء بقوله : (وَلا يَسْئَلُ حَمِيمٌ حَمِيماً) [المعارج : ١٠] إذ أخص الأحمّاء بالرجل زوجه ، فقصد التعريض بالمشركين بأن هذا الهول خاص بهم بخلاف المسلمين فإنهم هم وأزواجهم يحبرون لأنهم اتقوا الله في العفة عن غير الأزواج ، قال تعالى : (الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ) [الزخرف : ٦٧].
وتقدم نظير هذا في سورة المؤمنين ، أي ليس في المسلمين سفاح ولا زنا ولا مخالّة ولا بغاء ، ولذلك عقب بالتفريع بقوله : (فَمَنِ ابْتَغى وَراءَ ذلِكَ فَأُولئِكَ هُمُ العادُونَ).