والعادي : المفسد ، أي هم الذين أفسدوا فاختلطت أنسابهم وتطرقت الشكوك إلى حصانة نسائهم ، ودخلت الفوضى في نظم عائلاتهم ، ونشأت بينهم الإحن من الغيرة.
وذكر رعي الأمانات والعهد لمناسبة وصف ما يودّ الكافر يوم الجزاء أن يفتديه من العذاب بفصيلته التي تؤويه فيذهب منه رعي العهود التي يجب الوفاء بها للقبيلة. وحسبك من تشويه حاله أنه قد نكث العهود التي كانت عليه لقومه من الدفاع عن حقيقتهم بنفسه وكان يفديهم بنفسه ، والمسلم لما كان يرعى العهد بما يمليه عليه دينه جازاه الله بأن دفع عنه خزي ودادة فدائه نفسه بمواليه وأهل عهده.
والقول في اسمية الصلة كالقول في الذي قبله.
والرعي : الحفظ والحراسة. وأصله رعي الغنم والإبل.
وقرأ الجمهور (لِأَماناتِهِمْ) بصيغة الجمع. وقرأه ابن كثير لأمانتهم بالإفراد والمراد الجنس.
وقوله : (وَالَّذِينَ هُمْ بِشَهاداتِهِمْ قائِمُونَ) ذكر لمناسبة ذكر رعي الأمانات إذ الشهادة من جملة الأمانات لأن حق المشهود له وديعة في حفظ الشاهد فإذا أدى شهادته فكأنه أدى أمانة لصاحب الحق المشهود له كانت في حفظ الشاهد.
ولذلك كان أداء الشهادة إذا طولب به الشاهد واجبا عليه ، قال تعالى : (وَلا يَأْبَ الشُّهَداءُ إِذا ما دُعُوا) [البقرة : ٢٨٢].
والقيام بالشهادة : الاهتمام بها وحفظها إلى أن تؤدى ، وهذا قيام مجازي كما تقدم عند قوله تعالى : (وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ) في سورة البقرة [٣].
وباء (بِشَهاداتِهِمْ) للمصاحبة ، أي يقومون مصاحبين للشهادة ويصير معنى الباء في الاستعارة معنى التعدية.
فذكر القيام بالشهادة إتمام لخصال أهل الإسلام فلا يتطلب له مقابل من خصال أهل الشرك المذكورة فيما تقدم.
والقول في اسمية جملة الصلة للغرض الذي تقدم لأن أداء الشهادة يشق على الناس إذ قد يكون المشهود عليه قريبا أو صديقا ، وقد تثير الشهادة على المرء إحنة منه وعداوة.