وقرأ الجمهور بشهادتهم بصيغة الإفراد ، وهو اسم جنس يعم جميع الشهادات التي تحملوها. وقرأ حفص ويعقوب (بِشَهاداتِهِمْ) بصيغة الجمع. وذلك على اعتبار جمع المضاف إليه.
وقوله : (وَالَّذِينَ هُمْ عَلى صَلاتِهِمْ يُحافِظُونَ) ثناء عليهم بعنايتهم بالصلاة من أن يعتريها شيء يخل بكمالها ، لأن مادة المفاعلة هنا للمبالغة في الحفظ مثل : عافاه الله ، وقاتله الله ، فالمحافظة راجعة إلى استكمال أركان الصلاة وشروطها وأوقاتها. وإيثار الفعل المضارع لإفادة تجدد ذلك الحفاظ وعدم التهاون به ، وبذلك تعلم أن هذه الجملة ليست مجرد تأكيد لجملة (الَّذِينَ هُمْ عَلى صَلاتِهِمْ دائِمُونَ) بل فيها زيادة معنى مع حصول الغرض من التأكيد بإعادة ما يفيد عنايتهم بالصلاة في كلتا الجملتين.
وفي الأخبار النبوية أخبار كثيرة عن فضيلة الصلاة ، وأن الصلوات تكفر الذنوب كحديث «ما يدريكم ما بلغت به صلاته».
وقد حصل بين أخرى هذه الصلات وبين أولاها محسن رد العجز على الصدر.
وتقديم المسند إليه على المسند الفعلي في قوله : (وَالَّذِينَ هُمْ عَلى صَلاتِهِمْ يُحافِظُونَ) يفيد تقوية الخبر مع إفادة التجدد من الفعل المضارع.
ولما أجريت عليهم هذه الصفات الجليلة أخبر عن جزائهم عليها بأنهم مكرمون في الجنة.
وجيء باسم الإشارة للتنبيه على أنهم استحقوا ما بعد اسم الإشارة من أجل ما سبق قبل اسم الإشارة كما تقدم في قوله تعالى : (أُولئِكَ عَلى هُدىً مِنْ رَبِّهِمْ) في سورة البقرة[٥].
والإكرام : التعظيم وحسن اللقاء ، أي هم مع جزائهم بنعيم الجنات يكرمون بحسن اللقاء والثناء ، قال تعالى : (وَالْمَلائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بابٍ سَلامٌ عَلَيْكُمْ بِما صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ) [الرعد : ٢٣ ، ٢٤] وقال (وَرِضْوانٌ مِنَ اللهِ أَكْبَرُ) [التوبة : ٧٢].
وهذا يقتضي أن يكون قوله : (فِي جَنَّاتٍ) خبرا عن اسم الإشارة وقوله (مُكْرَمُونَ) خبرا ثانيا.
[٣٦ ـ ٤١] (فَما لِ الَّذِينَ كَفَرُوا قِبَلَكَ مُهْطِعِينَ (٣٦) عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمالِ عِزِينَ (٣٧) أَيَطْمَعُ