تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقاراً).
وهو استفهام صورته صورة السؤال عن أمر ثبت لهم في حال انتفاء رجائهم توقير الله.
والمقصود أنه لا شيء يثبت لهم صارف عن توقير الله فلا عذر لكم في عدم توقيره.
وجملة (لا تَرْجُونَ) في موضع الحال من ضمير المخاطبين ، وكلمة (ما لك) ونحوها تلازمها حال بعدها نحو (فَما لَهُمْ عَنِ التَّذْكِرَةِ مُعْرِضِينَ) [المدثر : ٤٩].
وقد اختلف في معنى قوله : (ما لَكُمْ لا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقاراً) وفي تعلق معمولاته بعوامله على أقوال : بعضها يرجع إلى إبقاء معنى الرجاء على معناه المعروف وهو ترقب الأمر ، وكذلك معنى الوقار على المتعارف وهو العظمة المقتضية للإجلال ، وبعضها يرجع إلى تأويل معنى الرجاء ، وبعضها إلى تأويل معنى الوقار ، ويتركب من الحمل على الظاهر ومن التأويل أن يكون التأويل في كليهما ، أو أن يكون التأويل في أحدهما مع إبقاء الآخر على ظاهر معناه.
فعلى حمل الرجاء على المعنى المتعارف الظاهر وحمل الوقار كذلك قال ابن عباس وسعيد بن جبير وأبو العالية وعطاء ابن أبي رباح وابن كيسان : ما لكم لا ترجون ثوابا من الله ولا تخافون عقابا ، أي فتعبدوه راجين أن يثيبكم على عبادتكم وتوقيركم إياه. وهذا التفسير ينحو إلى أن يكون في الكلام اكتفاء ، أي ولا تخافون عقابا ، وإن نكتة الاكتفاء بالتعجب من عدم رجاء الثواب : أن ذلك هو الذي ينبغي أن يقصده أهل الرشاد والتقوى.
وإلى هذا المعنى قال صاحب «الكشاف» : إذ صدر بقوله : ما لكم لا تكونون على حال تأملون فيها تعظيم الله إياكم في دار الثواب.
وهذا يقتضي أن يكون الكلام كناية تلويحية عن حثهم على الإيمان بالله الذي يستلزم رجاء ثوابه وخوف عقابه لأن من رجا تعظيم الله إياه آمن به وعبده وعمل الصالحات.
وعلى تأويل معنى الرجاء قال مجاهد والضحاك : معنى (لا تَرْجُونَ) لا تبالون لله عظمة ، قال قطرب : هذه لغة حجازية لمضر وهذيل وخزاعة يقولون : لم أرج أي لم أبال ، وقال الوالبي والعوفي عن ابن عباس : معنى (لا تَرْجُونَ) لا تعلمون ، وقال مجاهد أيضا : لا ترون ، وعن ابن عباس أنه سأله عنها نافع بن الأزرق ، فأجابه أن الرجاء بمعنى الخوف ، وأنشد قول أبي ذؤيب :