وأن مخففة من الثقيلة ، وجيء بأن المفتوحة الهمزة لأن ما بعدها معمول لفعل (أُوحِيَ) [الجن : ١] فهو في تأويل المصدر ، واسمها محذوف وهو ضمير الشأن وخبره (لَوِ اسْتَقامُوا) إلى آخر الجملة. وسبك الكلام : أوحي إليّ إسقاء الله إياهم ماء في فرض استقامتهم.
وضمير (اسْتَقامُوا) يجوز أن يعود إلى القاسطين بدون اعتبار القيد بأنهم من الجن وهو من عود الضمير إلى اللفظ مجردا عن ما صدقه كقولك : عندي درهم ونصفه ، أي نصف درهم آخر.
ويجوز أن يكون عائدا إلى غير مذكور في الكلام ولكنه معروف من المقام إذ السورة مسوقة للتنبيه على عناد المشركين وطعنهم في القرآن ، فضمير (اسْتَقامُوا) عائد إلى المشركين ، وذلك كثير في ضمائر الغيبة التي في القرآن ، وكذلك أسماء الإشارة كما تنبهنا إليه ونبهنا عليه ، ولا يناسب أن يعاد على القاسطين من الجن إذ لا علاقة للجن بشرب الماء.
والاستقامة على الطريقة : استقامة السير في الطريق وهي السير على بصير بالطريق دون اعوجاج ولا اغترار ببينات الطريق.
و (الطَّرِيقَةِ) : الطريق : ولعلها خاصة بالطريق الواسع الواضح كما تقدم آنفا في قوله (كُنَّا طَرائِقَ قِدَداً) [الجن : ١١].
والاستقامة على الطريقة تمثيل لهيئة المتصف بالسلوك الصالح والاعتقاد الحق بهيئة السائر سيرا مستقيما على طريقة ، ولذلك فالتعريف في (الطَّرِيقَةِ) للجنس لا للعهد.
وقوله : (لَأَسْقَيْناهُمْ ماءً غَدَقاً) : وعد بجزاء على الاستقامة في الدّين جزاء حسنا في الدنيا يكون عنوانا على رضى الله تعالى وبشارة بثواب الآخرة قال تعالى : (مَنْ عَمِلَ صالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَياةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ ما كانُوا يَعْمَلُونَ) [النحل : ٩٧].
وفي هذا إنذار بأنه يوشك أن يمسك عنهم المطر فيقعوا في القحط والجوع وهو ما حدث عليهم بعد هجرة النبي صلىاللهعليهوسلم إلى المدينة ودعائه عليهم بسنين كسني يوسف فإنه دعا بذلك في المدينة في القنوت كما في حديث «الصحيحين» عن أبي هريرة وقد بينا ذلك في سورة الدخان. وقد كانوا يوم نزول هذه الآية في بحبوحة من العيش وفي نخيل وجنات