وجملة (عالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلى غَيْبِهِ أَحَداً) في موضع العلة لجملة (إِنْ أَدْرِي أَقَرِيبٌ ما تُوعَدُونَ) الآية.
و (عالِمُ الْغَيْبِ) : خبر مبتدأ محذوف ، أي هو عالم الغيب والضمير المحذوف عائد إلى قوله (رَبِّي). وهذا الحذف من قبيل حذف المسند إليه حذفا اتّبع فيه الاستعمال إذا كان الكلام قد اشتمل على ذكر المسند إليه وصفاته كما نبه عليه السكاكي في «المفتاح».
و (الْغَيْبِ) : مصدر غاب إذا استتر وخفي عن الأنظار وتعريفه تعريف الجنس.
وإضافة صفة (عالِمُ) إلى (الْغَيْبِ) تفيد العلم بكل الحقائق المغيبة سواء كانت ماهيات أو أفرادا فيشمل المعنى المصدري للغيب مثل علم الله بذاته وصفاته ، ويشمل الأمور الغائبة بذاتها مثل الملائكة والجن. ويشمل الذوات المغيبة عن علم الناس مثل الوقائع المستقبلة التي يخبر عنها أو التي لا يخبر عنها ، فإيثار المصدر هنا لأنه أشمل لإحاطة علم الله بجميع ذلك.
وتقدم ذلك عند قوله تعالى : (الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ) في سورة البقرة [٣].
وتعريف المسند مع تعريف المسند إليه المقدر يفيد القصر ، أي هو عالم الغيب لا أنا.
وفرع على معنى تخصيص الله تعالى بعلم الغيب جملة (فَلا يُظْهِرُ عَلى غَيْبِهِ أَحَداً) ، فالفاء لتفريع حكم على حكم والحكم المفرع إتمام للتعليل وتفصيل لأحوال عدم الاطلاع على غيبه.
ومعنى (فَلا يُظْهِرُ عَلى غَيْبِهِ أَحَداً) : لا يطلع ولا ينبئ به ، وهو أقوى من يطلع لأن (يُظْهِرُ) جاء من الظهور وهو المشاهدة ولتضمينه معنى : يطلع ، عدي بحرف (عَلى).
ووقوع الفعل في حيّز النفي يفيد العموم ، وكذلك وقوع مفعوله وهو نكرة في حيّزه يفيد العموم.
وحرف (عَلى) مستعمل في التمكن من الاطلاع على الغيب وهو كقوله تعالى (وَأَظْهَرَهُ اللهُ عَلَيْهِ) [التحريم : ٣] فهو استعلاء مجازي.
واستثنى من هذا النفي من ارتضاه ليطلعه على بعض الغيب ، أي على غيب أراد الله إظهاره من الوحي فإنه من غيب الله ، وكذلك ما أراد الله أن يؤيد به رسوله صلىاللهعليهوسلم من إخبار