(اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ) [العلق : ١] الحديث ، ويدل لهذه الحكمة قوله تعالى عقبه : (إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلاً ثَقِيلاً) [المزمل : ٥].
وقد كان النبي صلىاللهعليهوسلم يتحنث في غار حراء قبيل بعثته بإلهام من الله تعالى ، فالذي ألهمه ذلك قبل أن يوحي إليه يجدر بأن يأمره به بعد أن أوحى إليه فلا يبقى فترة من الزمن غير متعبد لعبادة ، ولهذا نرجح أن قيام الليل فرض عليه قبل فرض الصلوات الخمس عليه وعلى الأمة.
وقد استمر وجوب قيام الليل على رسول الله صلىاللهعليهوسلم بعد فرض الصلوات الخمس تعظيما لشأنه بكثرة الإقبال على مناجاة ربه في وقت فراغه من تبليغ الوحي وتدبير شئون المسلمين وهو وقت الليل كما يدل عليه قوله تعالى : (وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نافِلَةً لَكَ عَسى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقاماً مَحْمُوداً) ، أي زيادة قرب لك. وقد تقدم في سورة [الإسراء : ٧٩]. فكان هذا حكما خاصا بالنبيء صلىاللهعليهوسلم ، وقد ذكره الفقهاء في باب خصائص النبيصلىاللهعليهوسلم ولم يكن واجبا على غيره ولم تفرض على المسلمين صلاة قبل الصلوات الخمس. وإنما كان المسلمون يقتدون بفعل النبي صلىاللهعليهوسلم وهو يقرّهم على ذلك فكانوا يرونه لزاما عليهم ، وقد أثنى الله عليهم بذلك في آيات كثيرة كقوله تعالى : (تَتَجافى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضاجِعِ) [السجدة : ١٦] ، وسيأتي ذلك عند قوله تعالى : (إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنى مِنْ ثُلُثَيِ اللَّيْلِ) [المزمل : ٢٠] الآية ، قالت عائشة : «إن الله افترض قيام الليل في أول هذه السورة فقام النبي وأصحابه» ، على أنه لا خلاف في رفع فرض القيام عن المسلمين. وتقرر أنه مندوب فيه. واختلف في استمرار وجوبه على النبي صلىاللهعليهوسلم ولا طائل وراء الاستدلال على ذلك أو عدمه.
وقوله : (إِلَّا قَلِيلاً) استثناء من (اللَّيْلَ) أي إلّا قليلا منه ، فلم يتعلق إيجاب القيام عليه بأوقات الليل كلها.
و (نِصْفَهُ) بدل من (قَلِيلاً) بدلا مطابقا وهو تبيين لإجمال (قَلِيلاً) فجعل القليل هنا النصف أو أقلّ منه بقليل.
وفائدة هذا الإجمال الإيماء إلى أن الأولى أن يكون القيام أكثر من مدة نصف الليل وأن جعله نصف الليل رحمة ورخصة للنبي صلىاللهعليهوسلم ، ويدل لذلك تعقيبه بقوله : (أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلاً) أي انقص من النصف قليلا ، فيكون زمن قيام الليل أقلّ من نصفه ، وهو حينئذ قليل فهو رخصة في الرخصة.