ونهار إلّا قليلا من الليل وهو ما يضطر إليه من الهجوع فيه. ومحمل التزمل عنده على المجاز.
فإذا كانت سورة المزمل قد أنزلت قبل سورة المدثر كان ذلك دالا على أن الله تعالى بعد أن ابتدأ رسوله بالوحي بصدر سورة (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ) [العلق : ١] ثم أنزل عليه سورة القلم لدحض مقالة المشركين فيه التي دبرها الوليد بن المغيرة أن يقولوا : إنه مجنون.
أنزل عليه التلطف به على تزمله بثيابه لما اعتراه من الحزن من قول المشركين فأمره الله بأن يدفع ذلك عنه بقيام الليل ، ثم فتر الوحي فلما رأى الملك الذي أرسل إليه بحراء تدثر من شدة وقع تلك الرؤية فأنزل عليه (يا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ).
فنداء النبي صلىاللهعليهوسلم بوصف (الْمُزَّمِّلُ) باعتبار حالته وقت ندائه وليس المزمل معدودا من أسماء النبي صلىاللهعليهوسلم ، قال السهيلي : ولم يعرف به وذهب بعض الناس إلى عدّه من أسمائه.
وفعل (قُمِ) منزل منزلة اللازم فلا يحتاج إلى تقدير متعلق لأن القيام مراد به الصلاة ، فهذا قيام مغاير للقيام المأمور به في سورة المدثر بقوله (قُمْ فَأَنْذِرْ) [المدثر : ٢] فإن ذلك بمعنى الشروع كما يأتي هنالك.
و (اللَّيْلَ) : زمن الظلمة من بعد العشاء إلى الفجر. وانتصب (اللَّيْلَ) على الظرفية فاقتضى الأمر بالصلاة في جميع وقت الليل ، ويعلم استثناء أوقات قضاء الضرورات من إغفاء بالنوم ونحوه من ضرورات الإنسان.
وقيام الليل لقب في اصطلاح القرآن والسنة للصلاة فيه ما عدا صلاتي المغرب والعشاء ورواتبهما.
وأمر الرسول بقيام الليل أمر إيجاب وهو خاص به لأن الخطاب موجه إليه وحده مثل السور التي سبقت نزول هذه السورة ، وأما قيام الليل للمسلمين فهم اقتدوا فيه بالرسولصلىاللهعليهوسلم كما سيأتي في قوله تعالى : (إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ) إلى قوله : (وَطائِفَةٌ مِنَ الَّذِينَ مَعَكَ) [المزمل : ٢٠] الآيات قال الجمهور وذلك قبل أن تفرض الصلوات الخمس في أوقات النهار والليل ولعل حكمة هذا القيام الذي فرض على الرسول صلىاللهعليهوسلم في صدر رسالته هو أن تزداد به سريرته زكاء يقوي استعداده لتلقي الوحي حتى لا يحرجه الوحي كما ضغطه عند نزوله كما ورد في حديث البخاري : «فغطني حتى بلغ مني الجهد» ثم قال: